عند معبر رفح، تتكدس آلاف الشاحنات المحمّلة بالغذاء والدواء في انتظار الدخول إلى غزة، بينما يواجه السكان في الداخل مجاعة خانقة وانهياراً متسارعاً للخدمات الأساسية هذا المشهد لا يمكن قراءته كحادث لوجستي عابر، وإنما كجزء من صورة أوسع تكشف طبيعة الحرب الدائرة، حيث يتحول الخبز إلى سلاح والدواء إلى ورقة ضغط.
حصار المساعدات يفضح أن الحرب لم تعد تدار في الميدان العسكري فقط، وإنما امتدت إلى تفاصيل الحياة اليومية للمدنيين تعطيل دخول القوافل الإنسانية يعكس استراتيجية تستهدف إنهاك المجتمع الفلسطيني وتجريده من مقومات البقاء، بما يخلق بيئة من اليأس قد تُستخدم لفرض شروط سياسية جديدة بهذه الطريقة يصبح الجوع نفسه أداة تفاوضية، ويغدو الحق في الغذاء خاضعاً لحسابات القوة.
خلفية الأزمة تشير إلى أن إسرائيل توظف التحكم في المساعدات ضمن أدوات الحصار الممتدة منذ سنوات، لكنها اليوم تستخدمه بجرأة أكبر، مدفوعة بغياب ردع دولي حقيقي في المقابل، تجد مصر نفسها أمام معضلة معقدة، فهي بوابة أساسية لعبور المساعدات، لكنها تواجه ضغوطاً سياسية وأمنية تجعل من المعبر ورقة مساومة بين أطراف إقليمية ودولية أما المجتمع الدولي فيكتفي بالتنديد دون أن يمتلك أدوات لفرض مسار إنساني محايد يضمن وصول الإغاثة إلى مستحقيها.
ما يكشفه تعطيل المساعدات أيضاً هو الفجوة العميقة بين الخطاب الأممي حول حقوق الإنسان والواقع على الأرض فبينما تُرفع الشعارات عن حماية المدنيين، يموت الأطفال جوعاً على مرأى من العالم، فيما تبقى القوافل الإنسانية حبيسة الحدود هذه المفارقة تؤكد أن البعد الأخلاقي في إدارة النزاع تراجع إلى أدنى مستوياته، وأن الصمت الدولي يسهم في تكريس معاناة المدنيين بدلاً من تخفيفها.
الأخطر أن هذا التعطيل لا يقتصر أثره على المدى الإنساني الفوري، بل يترك تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة داخل غزة. الأسر تعيش على موارد شحيحة وأسواق سوداء تتضاعف أسعارها يومياً، ما يهدد بتفكك البنية الاجتماعية ويحول الحصول على الغذاء إلى معركة يومية تفوق في قسوتها مشاهد القصف والدمار.
في النهاية، حصار المساعدات يكشف أن هذه الحرب ليست مجرد صراع عسكري بين أطراف متقاتلة، وإنما صراع شامل يستهدف البشر قبل الحجر، ويحوّل الاحتياجات الأساسية إلى أدوات ابتزاز. ومع استمرار الأزمة، يتحول معبر رفح من رمز للأمل إلى شاهد على مأساة أخلاقية بقدر ما هي مأساة إنسانية، ويصبح تعطيل الشاحنات عند الحدود عنواناً صارخاً لطبيعة حرب تتجاوز ميادين القتال إلى تفاصيل الحياة نفسها.