لقاء باريس: حوار أم خيانة؟

سامر الخطيب

2025.08.20 - 04:18
Facebook Share
طباعة

 
أثار اللقاء الذي جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بوفد إسرائيلي في العاصمة الفرنسية باريس، جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث انقسم الرأي العام بين من يراه اختراقًا دبلوماسيًا محسوبًا، ومن يعتبره خيانة صريحة للثوابت الوطنية.


اللقاء الذي جرى يوم الثلاثاء، وفق ما تم الإعلان عنه، ناقش ملفات مرتبطة باستقرار الجنوب السوري، وتحديدًا قضايا خفض التصعيد، وضمان عدم التدخل في الشؤون الداخلية، إضافة إلى مراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء، وهي منطقة تشهد توترات مستمرة في السنوات الأخيرة.


مؤيدو اللقاء: واقعية سياسية ومناورة ذكية
جزء من المعلقين السوريين اعتبر اللقاء خطوة متقدمة في طريق إخراج سوريا من دائرة العزلة والصراع المستمر. هؤلاء يرون أن الدبلوماسية الناجحة تقوم على استثمار كل الفرص الممكنة لضمان استقرار البلاد، حتى وإن تطلب الأمر حوارًا مع أطراف كان يُنظر إليها سابقًا كأعداء دائمين.


هؤلاء أشاروا إلى أن هذا اللقاء لا يمثل اعترافًا بشرعية الاحتلال أو تطبيعًا بالمعنى السياسي أو الاقتصادي، وإنما يأتي في إطار تفاوض سياسي هدفه التوصل إلى تفاهمات تهدف لخفض التصعيد، مؤكدين أن أي تقدم في هذا المسار قد يُترجم إلى مكاسب على الأرض للسوريين.


كما استُحضرت في هذا السياق لقاءات سابقة، مثل لقاء فاروق الشرع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك عام 2000، والتي كانت جزءًا من مفاوضات سلام رعيت أميركيًا حينها. ويرى المؤيدون أن اللقاء الأخير يأتي ضمن هذا الإطار التاريخي من المحاولات التي لم تكن يومًا غريبة عن السياسة السورية، حتى في أكثر مراحل الصراع حدة.


المعارضون: انبطاح سياسي وتنازل مجاني
في المقابل، عبّر قطاع واسع من السوريين عن رفضهم القاطع لهذا اللقاء، واعتبروه تجاوزًا خطيرًا للثوابت الوطنية. بالنسبة لهؤلاء، فإن جلوس مسؤول سوري رفيع على طاولة واحدة مع وفد يمثل الاحتلال، في وقت تتعرض فيه الأراضي السورية للقصف والانتهاكات المستمرة من الجانب الإسرائيلي، يُعد إهانة لدماء الضحايا وتطبيعًا مرفوضًا مهما كانت مبرراته.


انتقد المعارضون بشدة ما وصفوه بـ"الازدواجية السياسية"، حيث يتم الهجوم على لقاءات مماثلة تجريها أطراف سورية مع مسؤولين من دول غربية، بينما يتم تبرير لقاء مع وفد إسرائيلي على أنه "دبلوماسية". كما اعتبروا أن مثل هذه التحركات تُستخدم لتلميع صورة النظام السوري دوليًا، دون أن تُحقق أي تغيير فعلي في ميزان القوى أو المواقف الإقليمية.


البعض ذهب أبعد من ذلك، بوصف اللقاء بـ"الخطأ التاريخي"، مؤكدين أن أي حوار مع الاحتلال لا يمكن أن يتم دون وجود وسطاء وضمانات حقيقية، معتبرين أن ما حدث لا يرقى إلى مفاوضات سياسية بقدر ما هو تنازل مجاني بلا مقابل.


صمت رسمي وتكهنات حول الرعاية
الغموض الذي يحيط بطبيعة اللقاء وتفاصيله يزيد من حالة الترقب الشعبي والسياسي، خاصة مع غياب تصريحات واضحة من الجانب السوري أو الإسرائيلي توضح ما دار في الكواليس. كما أن الحديث عن رعاية أمريكية مباشرة لهذا اللقاء يطرح تساؤلات حول إعادة ترتيب الأوراق في الملف السوري، خصوصًا مع تراجع أدوار أنقرة وتل أبيب في إدارة هذا الملف لصالح عواصم أوروبية وواشنطن.


البعض يرى أن هذه التحركات قد تكون مؤشراً على تحول أكبر في المشهد السياسي الإقليمي، وربما بداية لمقاربة جديدة لحل الأزمة السورية تتجاوز الأطر التقليدية للمواجهة والممانعة.


بين الواقعية والمبدئية.. أي طريق تختاره سوريا؟
يبقى السؤال مفتوحًا: هل ما حدث في باريس يمثل تطورًا طبيعيًا في مسار السياسة الواقعية التي تتبعها دمشق، أم أنه خرق مرفوض للثوابت الوطنية السورية؟ وهل يمكن للدبلوماسية أن تكون فاعلة دون التنازل عن المبادئ، أم أن التفاوض بحد ذاته لا يعني الضعف، بل يعكس براعة في إدارة الصراع؟


في ظل غياب رواية رسمية شاملة، تبقى التكهنات قائمة، ويستمر الجدل حول ما إذا كان اللقاء خطوة على طريق التفاهم، أم خطيئة سياسية ستُضاف إلى سجل التعقيدات التي تعاني منها الأزمة السورية منذ أكثر من عقد.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 4