تفاقمت الأزمة السياسية والعسكرية في إسرائيل مع إعلان الجيش استدعاء نحو 60 ألف جندي احتياط جديد في إطار المرحلة الثانية من عملية "عربات جدعون"، بالتزامن مع تمديد خدمة 20 ألفًا آخرين. وجاء القرار في لحظة سياسية مشحونة شهدت هجومًا لاذعًا من زعيم المعارضة يائير لابيد على حكومة بنيامين نتنياهو، واصفًا إياها بأنها "الأسوأ منذ قيام الدولة".
كتب لابيد عبر منصة "إكس" أن قرار الحكومة ليس إلا محاولة لتسويق "وهم احتلال غزة"، معتبرًا أن الحكومة الحالية تُرهق الجيش والمجتمع دون تقديم أي رؤية سياسية لما بعد الحرب. هذا الموقف يعكس تصاعد خطاب المعارضة الإسرائيلية التي ترى أن نتنياهو وحكومته يحاولون شراء الوقت عبر التعبئة العسكرية المستمرة.
الجيش الإسرائيلي أكد في بيانه أن استدعاء الاحتياط الجديد يأتي استعدادًا للمرحلة الثانية من عملياته في غزة، والتي تهدف – بحسب ما أعلن نتنياهو في أغسطس – إلى "فرض السيطرة الكاملة على القطاع". غير أن الوقائع الميدانية تشير إلى أن الجيش يواجه صعوبات كبيرة في حسم المواجهة مع المقاومة الفلسطينية، رغم مرور أكثر من عام ونصف على بدء الحرب.
تاريخ استدعاء الاحتياط: مؤشرات على عمق الأزمة
لطالما شكلت قوات الاحتياط "الذراع الحيوية" للجيش الإسرائيلي في الحروب الكبرى، إلا أن حجم الاستدعاء الأخير يكشف عمق المأزق:
حرب أكتوبر 1973: استدعاء مئات الآلاف من الاحتياط كان سمة بارزة، لكنه جاء بعد مفاجأة عسكرية قاسية هزّت صورة الجيش.
حرب لبنان 2006: استدعاء واسع للجنود الاحتياط عكس ارتباك القيادة العسكرية والسياسية، وفشل في تحقيق الأهداف المعلنة أمام حزب الله.
الحروب على غزة (2008، 2014): شهدت استدعاءات جزئية لعشرات الآلاف من الجنود، لكنها بقيت محصورة بفترات قصيرة، على عكس الوضع الراهن الممتد والمتكرر.
اليوم، يكرر الجيش الإسرائيلي النمط ذاته باستدعاء عشرات الآلاف، ما يعكس عدم قدرة القوات النظامية وحدها على مواجهة استنزاف طويل، إضافة إلى عجز القيادة السياسية عن حسم اتجاه الحرب.
الانقسام الداخلي يضغط على الحكومة
الوصف الذي أطلقه لابيد على الحكومة بأنها "الأسوأ منذ قيام الدولة" ليس مجرد شعار سياسي، بل يعكس أزمة ثقة متفاقمة بين الشارع الإسرائيلي وقيادته. مظاهرات مستمرة، انتقادات من المؤسسة الأمنية السابقة، وانقسامات داخل الائتلاف الحاكم، جميعها عوامل تُضعف قدرة الحكومة على إدارة الحرب بفاعلية.
إسرائيليًا: الاستدعاء يعكس مأزقًا عسكريًا واضحًا، ويطرح سؤالًا حول مدى قدرة الجيش على الاستمرار في حرب استنزاف طويلة دون كلفة بشرية واقتصادية عالية.
سياسيًا: المعارضة تستثمر هذا الوضع لتصوير نتنياهو كزعيم يُغامر بأمن إسرائيل من أجل بقائه السياسي، فيما يفقد الشارع ثقته بقدرة الحكومة على تحقيق "نصر حاسم".
إقليميًا: تصاعد التعبئة العسكرية يثير مخاوف من امتداد الصراع، خصوصًا أن إسرائيل باتت تُظهر عجزًا عن تحقيق أهدافها رغم حشدها العسكري الضخم.
بين "وهم الاحتلال" الذي يحذر منه لابيد، و"حتمية السيطرة" التي يروج لها نتنياهو، تبدو إسرائيل عالقة في حلقة مفرغة: حرب طويلة بلا نهاية، انقسام داخلي يزداد حدة، وجيش يستنزف عبر استدعاءات متكررة للاحتياط. في ضوء هذا المشهد، يتبدى أن قرار استدعاء 60 ألف جندي جديد ليس مؤشر قوة، بل انعكاس أزمة استراتيجية عميقة تهدد إسرائيل من الداخل أكثر مما تحميها من الخارج.