في خطوة أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، كشفت صحيفة معاريف العبرية عن مقترح قدّمه زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد للإدارة الأمريكية، يتضمن أن تتولى مصر إدارة قطاع غزة لمدة 15 عامًا مقابل إلغاء ديونها الخارجية المقدّرة بـ155 مليار دولار، عبر دعم دولي ترعاه واشنطن.
تفاصيل المقترح الإسرائيلي
وصف لابيد خطته بأنها "ثورية"، معتبرًا أنها تقدم حلًا مزدوجًا: معالجة التهديد الأمني الذي تمثله حماس بالنسبة لإسرائيل من جهة، وإنقاذ الاقتصاد المصري المتأزم من جهة أخرى. وقدّم لابيد خطته في واشنطن خلال لقاءات رسمية مع مسؤولي البيت الأبيض وكبار أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، فضلًا عن عرضها لأول مرة علنًا في مؤتمر لمعهد أبحاث FDD.
ويستند المقترح إلى محورين رئيسيين:
أمنيًا: لا يمكن لإسرائيل – بحسب لابيد – أن تقبل باستمرار حكم حماس، كما أن السلطة الفلسطينية "عاجزة"، والاحتلال المباشر "غير مرغوب"، فيما يُبقي الفراغ الأمني القطاع في حالة فوضى تهدد أمن إسرائيل.
اقتصاديًا: مصر تواجه أزمة ديون خانقة تُقدّر بـ155 مليار دولار، وهو ما يعوق نموها الاقتصادي ويهدد استقرارها الداخلي والإقليمي، وبالتالي فإن إلغاء هذا الدين سيُشكّل حافزًا للقاهرة للقبول بالدور الجديد.
الموقف المصري المعلن
رغم إغراءات المقترح، ذكّرت معاريف بأن القاهرة رفضت في أكثر من مناسبة مثل هذه السيناريوهات، مؤكدة رفضها القاطع لأي صيغة تضعها في موقع "الوصي" على غزة. الموقف المصري ينبع من ثوابت تاريخية تؤكد أن القضية الفلسطينية لا تُحلّ عبر صفقات مالية أو ترتيبات مؤقتة، بل عبر حل سياسي عادل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني.
دلالات التوقيت
يأتي طرح لابيد بعد نحو عام ونصف من الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي لم تحقق – وفق اعترافه – هدف "إقصاء حماس". بالتالي، يُنظر إلى خطته كجزء من محاولات المعارضة الإسرائيلية لتقديم بدائل سياسية وأمنية في مواجهة عجز حكومة نتنياهو عن بلورة رؤية لما بعد الحرب.
إسرائيليًا: المقترح يعكس أزمة داخلية إسرائيلية تتجاوز حدود غزة، إذ يسعى لابيد إلى تقديم نفسه للولايات المتحدة كزعيم عملي يملك حلولًا "واقعية" تُوازن بين الأمن والسياسة.
مصريًا: القاهرة ترى في مثل هذه المبادرات "فخًا استراتيجيًا"، فإدارة غزة تعني الدخول في مواجهة مباشرة مع حماس ومعركة مفتوحة مع الشارع الفلسطيني، وهو ما قد يُورطها في صراع طويل الأمد لا يخدم مصالحها الوطنية.
دوليًا: عرض المقترح في واشنطن يؤكد أن إسرائيل تراهن على الإدارة الأمريكية لتسويق ترتيبات "اليوم التالي"، غير أن مثل هذه الخطط تصطدم بعقبات سياسية واقتصادية وإقليمية تجعلها بعيدة عن التنفيذ العملي.
مقترح لابيد ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة الأفكار الإسرائيلية لتصدير أزمات غزة إلى دول الجوار، وعلى رأسها مصر. غير أن الواقع يُشير إلى أن القاهرة لن تدخل هذا المسار، لاعتبارات استراتيجية تتعلق بأمنها القومي ودورها التاريخي في القضية الفلسطينية. وبذلك يبقى المقترح مجرد "بالون اختبار" سياسي، أكثر من كونه خطة قابلة للتنفيذ.