وسط ترقب واسع لتنفيذ الحكومة اللبنانية قرار حصر السلاح بيد الدولة، حذر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، القيادي في حركة أمل والحليف القوي لحزب الله، الحزب من أي محاولة لعرقلة هذا القرار، مؤكدًا أن الدولة لن تسمح بتحدي سلطتها وسيادتها على الأرض.
وأفادت مصادر الأربعاء، أن بري دعا حزب الله إلى التعاون الكامل مع الجيش اللبناني، مؤكدًا أن "لا فائدة من استخدام الشارع للاعتراض على قرار نزع السلاح أو إسقاطه"، في رسالة تعكس رغبة قيادات الحركة السياسية في الحفاظ على الاستقرار الداخلي وتجنب الانزلاق إلى مواجهات مسلحة داخل المدن.
دعم التمديد لقوات اليونيفيل
كما شدد بري على أهمية دعم الحزب للتمديد لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) العاملة في الجنوب، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار الحدودي ومنع أي انفلات أمني. وتأتي هذه الدعوة في ظل مخاوف من تصاعد التوتر بين إسرائيل ولبنان، خصوصًا في مناطق الجنوب الحساسة، حيث يظل وجود اليونيفيل أحد العناصر الضامنة لعدم اندلاع مواجهات مباشرة.
مسيرات وأنباء عن رفض حزب الله
الحكومة اللبنانية كانت قد أقرت مطلع الشهر الحالي (أغسطس 2025) قرارًا رسميًا بحصر السلاح بيد الدولة، وكلفت الجيش بإعداد خطة لتسليم سلاح حزب الله، على أن يتم تقديمها أواخر الشهر الجاري، مع بدء التنفيذ الفعلي قبل نهاية العام.
لكن حزب الله رفض القرار، معتبرًا أنه "غير موجود"، مشددًا على تمسكه بسلاحه كجزء من منظومته الدفاعية والسياسية، وهو موقف يثير تساؤلات حول قدرة الدولة اللبنانية على فرض سلطتها في مواجهة أحد أبرز الفاعلين السياسيين والعسكريين في البلاد.
وفي الأيام الماضية، نفذ أنصار الحزب مسيرات احتجاجية بالدراجات النارية في مناطق متعددة، تنديدًا بقرار الحكومة ودعمًا للحزب، في مشهد يذكّر بالمواجهات السابقة بين الشارع اللبناني والدولة، ويبرز مدى حساسية المرحلة الراهنة.
تداعيات إقليمية وتأثيرات خارجية
إلى جانب الأزمة الداخلية، أثارت تصريحات لمسؤولين إيرانيين بشأن ضرورة عدم التخلي عن السلاح انتقادات واسعة في لبنان، حيث يعتبر المراقبون أن هذا التدخل الخارجي يهدد سيادة القرار الوطني ويضيف بعدًا جديدًا للتعقيد السياسي والأمني. وتؤكد هذه التصريحات على دور القوى الإقليمية في رسم ملامح الصراع الداخلي في لبنان، خصوصًا فيما يتعلق بالمعادلات العسكرية والسياسية لحزب الله.
يأتي موقف بري في وقت دقيق يواجه فيه لبنان تحديات اقتصادية وأمنية معقدة، من بينها ارتفاع مستوى الفقر، الانهيار المالي، وأزمات الكهرباء والمحروقات، إضافة إلى التوترات الحدودية مع إسرائيل. ويعد تحذيره لحزب الله مؤشرًا على رغبة القيادات اللبنانية في تأكيد سلطة الدولة وفرض النظام، دون الانزلاق إلى صدامات شعبية.
وتجدر الإشارة إلى أن مسألة حصر السلاح بيد الدولة تشكل محورًا مركزيًا في النقاش اللبناني منذ سنوات، إذ لطالما اعتبر الجيش اللبناني القوة الوحيدة المخوّلة بحمل السلاح وتنظيمه، في حين يرى حزب الله أن ترسانته جزء من "القدرة الدفاعية" ضد أي تهديد خارجي، وهو ما يجعل أي محاولة لنزع السلاح عملية معقدة سياسيًا وعسكريًا.
يمكن القول إن لبنان يقف عند مفترق طرق: إما تعزيز سلطة الدولة وإرساء قواعد الاستقرار الداخلي، أو الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة بين مؤسسات الدولة وأحد أقوى الفاعلين السياسيين والعسكريين.
خطاب بري يوضح استراتيجية تهدئة وتوازن: تحذير للحزب من مغبة تحدي الدولة، ودعوة للتعاون مع الجيش، مع الحفاظ على مظهر الوحدة السياسية الوطنية عبر دعم اليونيفيل، في محاولة لتجنب أي انفجار شعبي أو مواجهات مسلحة على الأرض.
المشهد اللبناني الحالي يضع الدولة في مواجهة اختبار حقيقي لقدرتها على فرض القانون والقرار السيادي، وسط تدخلات إقليمية وضغوط شعبية، وهو اختبار سيكون له تداعيات طويلة الأمد على الاستقرار الداخلي ومستقبل المعادلة السياسية في البلاد.