بينما أعلنت حركة حماس موافقتها على هدنة مؤقتة هذا الأسبوع، تستعد إسرائيل لمرحلة مواجهة جديدة، في خطوة تُشير إلى تصعيد خطير محتمل في قطاع غزة. فقد أقرت القيادة العسكرية خطة واسعة النطاق تشمل استدعاء نحو 50,000 جندي احتياطي خلال الشهر المقبل، ما سيرفع عدد قوات الاحتياط النشطة إلى حوالي 120,000 جندي. وتضع إسرائيل خططًا لعمليات برية موسعة في مناطق محددة من غزة، في ما يعكس استعدادها لتكثيف الضغط العسكري بغض النظر عن اتفاق التهدئة المؤقت، ويبرز التوتر المستمر بين الطرفين واحتمالية فشل الهدنة إذا لم تُحترم الالتزامات من كلا الجانبين.
إعلان "مرحلة جديدة" وتعبئة 50 ألف جندي احتياطي يمثل نقطة انعطاف خطيرة في الحرب على غزة. وبينما تسعى إسرائيل لتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية عبر القوة، يظل الثمن الإنساني والدبلوماسي مفتوحًا على سيناريوهات بالغة التعقيد، قد تحدد ليس فقط مستقبل المعركة، بل أيضًا شكل المنطقة في المرحلة المقبلة.
تعبئة هذا العدد الضخم تتيح لإسرائيل توسيع قدراتها العملياتية على أكثر من محور: الدفاع عن الجبهات الداخلية، تعزيز الحضور العسكري على حدود غزة، أو تنفيذ عمليات برية واسعة في مناطق حضرية مكتظةالخطوة لا تبدو تكتيكية فقط، بل تحمل أبعادًا استراتيجية تتعلق بالسيطرة الميدانية وتوسيع نطاق العمليات داخل مدينة غزة.
التبعات اللوجستية والاجتماعية
استدعاء عشرات الآلاف من الاحتياطيين يفرض تحديات كبيرة على المستوى اللوجستي: تجهيز وإعاشة القوات، توفير خطوط إمداد، وضمان الرعاية الطبية للمصابين، كما أن غياب هذا العدد من العاملين عن أعمالهم المدنية يشكل ضغطًا على الاقتصاد الإسرائيلي ويزيد من أعباء الأسر، ما قد يخلق بدوره حالة نقاش داخلي حول جدوى إطالة أمد الحرب.
توسيع العمليات داخل مناطق سكنية كثيفة ينذر بتفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع. التوقعات تشير إلى زيادة النزوح، تعطل الخدمات الأساسية، وإعاقة وصول الغذاء والدواء والوقود.
المنظمات الإنسانية حذرت بالفعل من أن أي تصعيد جديد سيقود إلى أوضاع لا يمكن السيطرة عليها، مع ارتفاع معدلات الوفيات ونقص الإمدادات الحيوية.
المشهد السياسي داخل إسرائيل
على المستوى السياسي، قد تُسوق الحكومة الإسرائيلية هذه الخطوة باعتبارها دليلاً على الحزم في مواجهة التهديدات، لكنها في المقابل تتحمل مخاطرة مواجهة ضغوط شعبية في حال طالت الحرب أو ارتفعت خسائر الجيش.
كما أن تصعيد العمليات قد ينعكس سلبًا على أي جهود سياسية للتوصل إلى تهدئة أو اتفاق جزئي، ويزيد من عزلة إسرائيل في المحافل الدولية.
الانعكاسات الإقليمية والدولية
التطورات في غزة لن تبقى محصورة داخل حدود القطاع. الدول العربية والإقليمية، وكذلك القوى الكبرى، تراقب باهتمام بالغ، فيما يتوقع أن تزداد الدعوات لعقد جلسات عاجلة في مجلس الأمن أو إطلاق وساطات جديدة.
هناك أيضًا مخاوف من انتقال التوتر إلى جبهات أخرى، خصوصًا على الحدود الشمالية مع لبنان أو على الجبهة السورية.
هذا وأعلنت حركة حماس موافقتها على مقترح هدنة جديد صاغته مصر وقطر بدعم مباشر من الولايات المتحدة. وتمتد الهدنة لمدة ستين يومًا، وتشكل محاولة لوقف القتال المتواصل وفتح مسار لمفاوضات أوسع.
تتضمن بنود التفاهم أن تطلق حماس سراح عشرة رهائن أحياء وتسلم رفات ثمانية عشر رهينة، مقابل إفراج إسرائيل عن نحو ألف وسبعمائة أسير فلسطيني، بينهم مئة وخمسون من المصنفين أمنيين. وتشمل الهدنة أيضًا انسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية من بعض مناطق غزة مع تسهيل دخول المساعدات الإنسانية بشكل أكبر.
جاءت هذه الصيغة عبر وساطة مصرية وقطرية، وبدعم واضح من واشنطن، حيث اعتُبرت قريبة جدًا من المقترح الذي قدّمه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف في وقت سابق، وهو ما يعكس إصرارًا أميركيًا على تحقيق اختراق سياسي في الأزمة.
حتى الآن لم تُعلن الحكومة الإسرائيلية موافقتها الرسمية، لكنها تدرس العرض بجدية تحت ضغط داخلي متزايد للإفراج عن الرهائن. وتشير مصادر إسرائيلية إلى أن القرار النهائي سيصدر بنهاية هذا الأسبوع.
وتكتسب هذه الخطوة أهميتها كونها أول انفراجة ملموسة منذ أشهر طويلة، إذ قد توفر فرصة لخفض التصعيد في غزة وتخفيف الأزمة الإنسانية المتفاقمة، غير أن نجاحها سيظل مرهونًا بمدى التزام الطرفين بالتنفيذ، وبقدرة الوسطاء على دفع المفاوضات نحو تسوية أوسع.