ترامب.. «رئيس السلام» أم «مهندس خفض التصعيد»؟

أماني إبراهيم – وكالة أنباء آسيا

2025.08.20 - 10:04
Facebook Share
طباعة

تفكيك ادعاء ترامب أنه «أنهى سبعة حروب».. بين الحقيقة والدعاية

 

أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسويق نفسه باعتباره «صانع سلام» منذ عودته إلى البيت الأبيض، مؤكّدًا في أكثر من مناسبة أنه أنهى ستّ حروب ثم رفع الرقم إلى سبع. تقرير AP Fact Focus تتبّع هذه المزاعم حالةً بحالة، وخلص إلى أن الصورة أكثر تعقيدًا بكثير: في بعض الملفات لعبت واشنطن دورًا مؤثرًا في وقف إطلاق نار مؤقت، وفي أخرى لا يوجد «حرب» أصلًا وفق التعريفات المتعارف عليها، بينما ظلّت أزمات جوهرية بلا تسوية نهائية. هذا التقرير التحليلي يمحّص الحجج، ويضعها في سياقها السياسي والدبلوماسي والإقليمي.

ما الذي يعنيه «إنهاء حرب»؟

قبل الخوض في تفاصيل الحالات السبع التي يتحدث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من الضروري التوقف عند الإشكالية المفاهيمية ذاتها: متى نستطيع القول إن حربًا ما انتهت بالفعل؟

هناك ثلاث عقد رئيسية يجب تفكيكها:

1. التعريف

ليست كل أزمة تُسمى حربًا. في القانون الدولي، الحرب هي نزاع مسلح منظم بين دولتين أو أكثر أو بين دولة وجماعة مسلحة تُسيطر على أرض. لكن الاستخدام الإعلامي والسياسي قد يوسع المفهوم ليشمل نزاعات منخفضة الشدة، أو أزمات حدودية، أو حتى خلافات سياسية–قانونية مثل ملف سد النهضة بين مصر وإثيوبيا. حين يستخدم ترامب مصطلح «حرب»، فهو يخلط بين مستويات متباينة من النزاعات، ما يجعل تقييم ادعاءاته أكثر صعوبة.

2. المدى الزمني

التاريخ الحديث مليء بالأمثلة التي تبرهن أن وقف إطلاق النار المؤقت لا يعني نهاية الحرب. هدنة قد تصمد أسابيع أو أشهر لكنها تنهار مع أول خرق أو تغير ميداني. السلام الحقيقي يحتاج إلى اتفاق رسمي مُلزِم، يُنهي العمليات العسكرية، ويعالج جذور النزاع مثل الحدود أو اللاجئين أو الموارد، إضافة إلى آليات مراقبة دولية تضمن التنفيذ. من دون هذه العناصر، لا يمكن الحديث عن «تسوية» بقدر ما هو «تجميد» للمواجهة.

3. الفاعلية

حتى في النزاعات التي شهدت تهدئة أو وقفًا للنار خلال 2025، لم تكن واشنطن دائمًا اللاعب المركزي. ففي حالات مثل تايلاند–كمبوديا أو رواندا–الكونغو، لعبت أطراف إقليمية (ماليزيا وقطر مثلًا) أدوارًا محورية إلى جانب الأميركيين. وبالتالي، السؤال الجوهري: هل يمكن نسب النجاح إلى «الرئيس الأميركي» كشخص، أم أن دوره كان جزءًا من شبكة وساطات وضغوط متداخلة؟ تضخيم هذا الدور في الخطاب الانتخابي الأميركي يُبرز الفارق بين السياسة الواقعية والدعاية السياسية.

تفكيك «الحروب السبع» حالةً بحالة

إسرائيل–إيران.. هدنة ساخنة لا نهاية حرب

في يونيو/حزيران 2025 شنت إسرائيل ضربات داخل إيران استهدفت مواقع نووية وعسكرية، تلاها ضغط أميركي ومشاركة في ضربات استباقية انتهت بوقف إطلاق نار خلال 12 يومًا. خبراء اعتبروا أن واشنطن ساعدت في تثبيت الهدنة، لكنهم وصفوها «استراحة مؤقتة» ضمن حرب باردة يومية قابلة للاشتعال مع أي تطور نووي إيراني.

التقييم: خفض تصعيد مهم لكنه لا يرقى إلى «إنهاء حرب» مستدامة.

سد النهضة.. نزاع قانوني لا حرب

روّج ترامب لفكرة أنه أنهى «القتال» بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة بعد اكتمال المشروع. لكن الواقع أن الأزمة تتعلق بخلاف سياسي–قانوني حول تقاسم المياه، دون أن تتحول إلى حرب مفتوحة.

التقييم: لا توجد حرب كي يعلن نهايتها؛ أقصى ما تحقق هو استمرار مسار وساطة بلا اختراق حقيقي.

كشمير.. التهدئة ظرفية

بعد هجوم دموي على سياح في كشمير في أبريل/نيسان 2025، تراجع التوتر بين الهند وباكستان. ترامب قال إن وقف النار جاء مقابل «حوافز تجارية»، لكن نيودلهي نفت الربط. يرى محللون أن واشنطن لعبت دورًا مساعدًا لكنه غير حاسم.

التقييم: خفض توتر ظرفي، لا إنهاء نزاع تاريخي.

صربيا–كوسوفو.. لا جديد

البيت الأبيض ضم الملف إلى قائمة إنجازاته، رغم أنه لم يكن هناك قتال فعلي خلال 2025. فالتوترات قائمة منذ عقود تحت مظلة وجود «الناتو»، والاتفاقات السابقة لم تُنفذ بالكامل.

التقييم: لا حرب قائمة، ولا تغيير جوهري في 2025.

رواندا–الكونغو الديمقراطية.. وساطة ناقصة

في يونيو/حزيران وُقّع اتفاق بوساطة أميركية بين كينشاسا وكيغالي، على أن يُستكمل بترتيبات مع حركة M23. لكن الموعد النهائي فشل، واستمر القتال في شرق الكونغو.

التقييم: مساعٍ وساطية محدودة بلا أثر حاسم على الصراع.

أرمينيا–أذربيجان.. اختراق محتمل لم يكتمل

استضافت واشنطن قمةً في أغسطس/آب 2025 انتهت بتأشير نص معاهدة سلام لفتح الممرات والتطبيع، لكن التوقيع النهائي لم يحدث بعد. هذا يأتي بعد حرب 2020 وهجوم باكو في 2023 الذي أنهى الوجود الأرميني بقره باغ.

التقييم: اختراق سياسي مهم إذا تُوِّج بمعاهدة، لكن حتى اللحظة مجرد مسار قيد التشكل.

تايلاند–كمبوديا.. وقف نار هش

توترت الحدود بين البلدين إثر انفجارات ألغام وقتلى من الجنود. في يوليو/تموز 2025 جرى وقف إطلاق نار خلال اجتماع بماليزيا بدعم وضغط أميركي. غير أن الملفات البنيوية مثل ترسيم الحدود ما زالت قائمة.

التقييم: نجاح تكتيكي محدود، وليس تسوية نهائية.

أوكرانيا–روسيا.. الغائب عن القائمة

رغم كثافة اللقاءات الأميركية مع موسكو وكييف، لا مؤشرات على اتفاق سلام شامل حتى الآن. العوائق لا تزال كبيرة، ما يجعل الحديث عن «إنهاء الحرب» في أوكرانيا غير واقعي.

النتيجة: مبالغة سياسية

بعد مراجعة دقيقة للملفات السبعة، يمكن القول إن سردية ترامب حول «إنهاء سبع حروب» أقرب إلى المبالغة السياسية منها إلى توصيف واقعي.

أولًا، لا توجد أي حالة استوفت المعايير الكاملة لإنهاء الحرب: معاهدة سلام موقعة، ضمانات أمنية، آليات مراقبة دولية، ومعالجة جذرية لأسباب النزاع. ما تحقق في أفضل الأحوال هو تخفيف التوتر أو تجميد الاشتباك.

ثانيًا، الملف الوحيد الذي يمكن اعتباره أقرب إلى تسوية دائمة هو النزاع بين أرمينيا وأذربيجان. إذ شهدت واشنطن في أغسطس/آب 2025 توقيعًا أوليًا على نص معاهدة سلام، لكن غياب المصادقة والتنفيذ يجعل «النهاية الرسمية» للنزاع رهينة بما سيجري في الأشهر المقبلة.

ثالثًا، بعض النجاحات كانت مجرد هدن مؤقتة لا أكثر. هدنة إسرائيل–إيران مثال بارز على وقف نار قابل للاهتزاز مع أي أزمة نووية جديدة، وكذلك اتفاق تايلاند–كمبوديا الذي جاء تحت ضغط دولي لكنه لم يلغِ جذور الخلاف الحدودي. أما في كشمير، فالتهدئة الحالية أشبه باستراحة تكتيكية في نزاع تاريخي مستمر.

رابعًا، هناك ملفات وُصفت بأنها «حروب منتهية» بينما هي في الأصل لم تكن حروبًا بالمعنى التقليدي، مثل أزمة سد النهضة التي ظلت نزاعًا سياسيًا–قانونيًا بين القاهرة وأديس أبابا دون أن تنزلق إلى مواجهة عسكرية، أو ملف صربيا–كوسوفو الذي يعيش توترًا مزمناً لكنه لم يشهد قتالًا مفتوحًا في 2025.

النتيجة النهائية أن ترامب أعاد صياغة خفض التصعيد والوساطات الجزئية في صورة «إنجاز تاريخي»، وهو ما يخدم خطابه الانتخابي في الداخل الأميركي، لكنه لا يعكس بدقة حقيقة الوضع الميداني والسياسي في هذه النزاعات.

ما الذي يجعل الحرب «منتهية» حقًا؟

إن إنهاء الحرب ليس مجرد إعلان سياسي أو هدنة مؤقتة، بل عملية معقدة تتطلب توافر مجموعة من الشروط الجوهرية. في مقدمتها وجود اتفاق موقع ونافذ بين الأطراف المتحاربة، يتضمن التزامات واضحة وملزمة قانونيًا بوقف القتال، ويحدد ملامح العلاقة المستقبلية بين الخصوم.

إلى جانب ذلك، يحتاج أي اتفاق سلام إلى آليات رقابة وحفظ سلام تضمن التطبيق الفعلي على الأرض، سواء عبر قوات مراقبة دولية أو عبر لجان مشتركة قادرة على التدخل عند حدوث خروقات. من دون هذه الآليات، تبقى الاتفاقات عرضة للانهيار بمجرد تغير موازين القوى أو تبدل المزاج السياسي.

العنصر الثالث يتمثل في معالجة جذور النزاع. فالحروب لا تتوقف بمجرد إسكات البنادق، بل تحتاج إلى حلول جذرية لقضايا الحدود، أو توزيع الموارد، أو عودة اللاجئين، أو الضمانات الأمنية. تجاهل هذه القضايا يجعل أي اتفاق أقرب إلى «تجميد» للصراع لا نهايته.

وأخيرًا، يُعد انحسار العنف ميدانيًا لفترة طويلة قابلة للتحقق المؤشر العملي الأهم. السلام يُقاس بالزمن والاستقرار، لا بالبيانات السياسية.

وبالنظر إلى ملفات 2025، لم يكتمل أي من هذه العناصر بشكل حقيقي. فكل ما تحقق حتى الآن لا يعدو كونه خفضًا للتصعيد وفرض هدن قصيرة الأمد في أكثر من ساحة. وعليه، فإن رواية ترامب عن «إنهاء سبع حروب» تعكس دعاية سياسية وانتخابية أكثر مما تعكس واقعًا استراتيجيًا. التسويات النهائية ما زالت رهينة التوقيع، التنفيذ، والالتزام الدولي طويل المدى. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 10