في مشهد سياسي فلسطيني نادر تغلب عليه لغة الشعارات، خرج المستشار الدكتور أحمد يوسف، أحد مؤسسي وقيادات حركة حماس السابقين، بنص نقدي صريح يصفه كثيرون بأنه صرخة ضمير من داخل البيت الحركي. يوسف قدّم مراجعة قاسية لأداء الحركة منذ اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر 2023، محذرًا من "التمسك بالأوهام" بينما يدفع الشعب الفلسطيني ثمنًا باهظًا يتجاوز حدود التصوّر.
الدكتور أحمد يوسف هو أحد مؤسسي حركة حماس وقياداتها السابقة، اشتهر بدوره في صياغة الاستراتيجيات السياسية للحركة منذ تأسيسها عام 1987. عُرف يوسف بخبرته الواسعة في الشؤون السياسية الفلسطينية والعلاقات الإقليمية، كما كان له حضور مؤثر في اتخاذ القرارات داخل الحركة. إلا أن تصاعد الانتقادات الداخلية والتوتر مع قيادة حماس دفعه في السنوات الأخيرة إلى الانشقاق، بعد أن اتهمته الحركة بالتنسيق مع شخصيات قيادية من سلطة رام الله بقيادة الرئيس محمود عباس، ليصبح لاحقًا صوتًا ناقدًا صريحًا يسلط الضوء على أخطاء الحركة ومخاطر سياساتها على الشعب الفلسطيني.
نقد داخلي غير مسبوق
يوسف أقرّ بوضوح أن حماس أخطأت في تقدير حجم المؤامرة، وخاضت حربًا استدرجتها إسرائيل إليها، ليصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "المستفيد الوحيد حتى الآن". ووفق تقديراته، فإن حصيلة الحرب بلغت حتى اللحظة ربع مليون شهيد وجريح ومفقود، إضافة إلى مليوني نازح وسط ظروف إنسانية وبيئية كارثية.
ويصف يوسف التمسك بخطاب "الإنكار أو تبرير الكارثة باسم الصمود" بأنه خطيئة مضاعفة، داعيًا الحركة إلى التراجع وإعادة التفكير "قبل فوات الأوان".
غزة بين المفاوضات ومصائد الموت
من بين الأسئلة الجوهرية التي طرحها يوسف: كيف ينظر النازحون في الخيام إلى ما يجري من مفاوضات في مصر وقطر؟
الإجابة –بحسب ما ينقله من شهادات– أن الكثيرين يرون أن حماس ومفاوضيها مسؤولون عن فشل التوصل إلى هدنة إنسانية، وهو انطباع –حتى لو لم يكن دقيقًا– يمنح نتنياهو الذرائع لتبرير سياساته.
ويشير يوسف إلى أن نتنياهو هو المعطل الحقيقي لأي اختراق في المفاوضات، إذ يحتاج إلى مزيد من الوقت لتكريس مشروعه في التهجير والتطهير العرقي، فيما يُظهِر للرأي العام أن "العلة في حماس".
تحييد الحلفاء.. وانكسار الرهان الشعبي
ينتقد يوسف افتقار الحركة للقدرة على فهم قواعد اللعبة الإقليمية، مشيرًا إلى أن حلفاءها السياسيين –تركيا وإيران وقطر– جرى تحييدهم بالتهديدات الأمريكية، بينما الشارع العربي والإسلامي الذي لطالما هتف للحركة أصيب بـ"الصدمة والصمت".
ويرى أن الإصرار على إدارة ملف المفاوضات منفردة، أو عبر فصائل ضعيفة، مع تجاهل دور منظمة التحرير، كان تفريطًا بفرصة سياسية كان يمكن أن توفر اعترافًا دوليًا وغطاءً تفاوضيًا أوسع.
الكارثة الإنسانية: غزة قاع صفصف
في أكثر مقاطع مقاله مأساوية، يرسم يوسف صورة قاتمة لواقع غزة:
عشرات الشهداء يوميًا، ومئات الجرحى يسقطون خلال محاولات الحصول على الغذاء.
منازل تُسوّى بالأرض حتى صار القطاع "قاعًا صفصفًا بلا مقومات للحياة".
مخاوف متزايدة من أن يتحول التهجير المؤقت إلى تطهير عرقي دائم.
نحو رؤية بديلة
يدعو يوسف قيادة حماس إلى تسليم ملف المفاوضات لدول مثل مصر وتركيا وقطر، بالتعاون مع منظمة التحرير، لتشكيل رؤية موحدة تُحبط مخططات نتنياهو وتغلق الطريق أمام "أوهام إسرائيل الكبرى".
ويخلص إلى أن بقاء الملف في يد الحركة وحدها يخدم الاحتلال، معتبرًا أن نتنياهو استغل حماس كـ"غطاء" لتمرير مخطط استعماري يستهدف الوجود الفلسطيني برمته.
هذه ليست المرة الأولى التي يوجه فيها أحمد يوسف انتقادات للحركة، لكنه هذه المرة قدّم أشد مراجعاته صراحة منذ عقود.
فمنذ تأسيسها عام 1987، عُرفت حماس بتماسك خطابها الداخلي، ونادرًا ما خرجت أصوات وازنة من قياداتها لتوجيه نقد علني. لذلك، يُنظر لمقال يوسف كـ"وصية سياسية" تحمل وزنًا خاصًا في لحظة تاريخية حرجة يمر بها الشعب الفلسطيني.