ارتفعت أعداد القتلى في صفوف موظفي الإغاثة الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة خلال العام 2024، حيث سقط ما يقرب من 400 ضحية، نصفهم تقريباً في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة هذه الحصيلة تعد الأعلى منذ بدء تسجيل البيانات عام 1997م، ما يسلط الضوء على هشاشة الحماية الممنوحة للعاملين في الميدان الإنساني خلال النزاعات المسلحة.
بحسب بيانات الأمم المتحدة الصادرة الثلاثاء، فإن 383 موظف إغاثة قُتلوا في العام الماضي وحده، بينما قُتل حتى منتصف 2025 ما يقرب من 265 موظفاً إضافياً وأشارت قاعدة بيانات "أمن عمال الإغاثة" – الممولة من الولايات المتحدة – إلى أن 173 منهم سقطوا في غزة وحدها نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من عام ونصف ضد حركة حماس، في حين سقط 36 في السودان وثلاثة في أوكرانيا.
غزة بؤرة الاستهداف الأكبر:
غزة تتصدر القائمة السوداء لأخطر البيئات على العاملين في مجال الإغاثة، ففي مارس 2024، قُتل 15 مسعفاً بنيران إسرائيلية في حادثة وصفتها الأمم المتحدة بأنها "جريمة صادمة"، بعدما جرى دفنهم في قبر ضحل، التحقيقات الإسرائيلية اللاحقة حملت عبارات مثل "سوء فهم عملياتي" و"إخفاقات مهنية"، مع الإشارة إلى فصل أحد القادة المسؤولين، لكن هذه التبريرات لم توقف موجة التنديد الدولي ولا خففت من المخاوف حول تكرار الحوادث.
غياب المساءلة وتآكل الحماية:
القانون الإنساني الدولي يمنح موظفي الإغاثة وضعاً خاصاً من الحماية، لكن الواقع الميداني يظهر فجوة واسعة بين النصوص والتطبيق
وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية توم فليتشر وصف الوضع بأنه "إدانة مخزية للتقاعس واللامبالاة الدوليين"، في وقت يرى خبراء أن المحاسبة القضائية غائبة تقريباً أحد العوامل الرئيسية وراء هذا الغياب يكمن في تخوف المنظمات من أن تؤدي الملاحقات إلى تضييق الوصول إلى مناطق النزاعات، فضلاً عن الصعوبة القانونية في إثبات النية المباشرة لاستهداف العاملين.
مأساة صامتة تتكرر:
إلى جانب غزة، يشير تصاعد أعداد القتلى في السودان وأوكرانيا إلى أن استهداف عمال الإغاثة لم يعد حادثاً عرضياً بقدر ما أصبح ظاهرة متنامية. النزاعات الممتدة، ضعف آليات الحماية، غياب الردع الدولي، كلها عوامل تغذي هذه المأساة المستمرة، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ينس لاركيه قال في تعليق قاسٍ: "الأمر كارثي… ويمضي في الاتجاه المعاكس تماماً لما ينبغي أن يكون عليه".
تزايد سقوط ضحايا الإغاثة لا يهدد فقط أرواح العاملين، بل يقوّض أيضاً قدرة المجتمع الدولي على إيصال المساعدات في أكثر بقاع العالم احتياجاً. ومع استمرار الحرب في غزة وتصاعد الأزمات في السودان وأوكرانيا، تبدو صورة العمل الإنساني غارقة في الخطر، ما يضع العالم أمام اختبار حقيقي حول مدى جدية حماية من يكرسون حياتهم لإنقاذ الآخرين.