تشهد مناطق شمال شرق سوريا تصاعداً في ظاهرة استقطاب الأطفال من قبل ما يُعرف بـ"الشبيبة الثورية" (جوانن شورشكر)، وهي جهة شبابية ناشطة ضمن مناطق نفوذ الإدارة الذاتية. وبحسب متابعين ميدانيين، فإن هذه الجهة تمارس ضغوطاً وأساليب تُوصف بأنها تندرج ضمن "غسل الأدمغة"، حيث يتم التأثير على القاصرين عبر خطاب تعبوي يستغل الهشاشة النفسية والاقتصادية لهؤلاء الأطفال.
في حادثة حديثة، تم اقتياد طفلة تبلغ من العمر 14 عامًا من حي الشيخ مقصود في مدينة حلب بتاريخ 16 أغسطس، إلى جهة غير معلومة، وسط صمت رسمي من الجهات المعنية، ومخاوف كبيرة لدى عائلتها من احتمال تجنيدها أو إخضاعها لبرامج فكرية مغلقة تهدف إلى عزلها عن بيئتها الطبيعية ومجتمعها المحلي.
ممارسات تتكرر
ليست هذه الواقعة الأولى من نوعها. خلال الأشهر الماضية، تم تسجيل عدد من الحوادث المشابهة، حيث جرى استقطاب قاصرين من الجنسين في عدة مناطق خاضعة للإدارة الذاتية، مثل القامشلي، الحسكة، عين العرب (كوباني)، ومنبج. وتشير الوقائع إلى أن هذه العمليات تتم في كثير من الأحيان دون علم أو موافقة أولياء الأمور، مما يثير تساؤلات حول الإطار القانوني والسياسي الذي يسمح بمثل هذه الممارسات.
ورغم تعهدات متكررة من الجهات الرسمية بمنع تجنيد الأطفال وضمان بيئة آمنة لهم، لا تزال التقارير على الأرض تشير إلى ضعف في آليات الرقابة والتنفيذ، مما يجعل هذه الفئة عرضة للاستغلال بشكل متزايد.
مسؤولية مجتمعية وقانونية
تحمّل منظمات حقوقية وفعاليات مدنية جزءًا من المسؤولية لقوات سوريا الديمقراطية، التي تُعد الجهة العسكرية الفعلية المسيطرة في المنطقة. وبالرغم من توقيع "قسد" خطة عمل مع الأمم المتحدة في يونيو 2019، تقضي بإنهاء ومنع تجنيد الأطفال، إلا أن الالتزام العملي ببنود هذه الاتفاقية لا يزال محل جدل واسع في الأوساط الحقوقية.
من جانب آخر، يتحدث نشطاء محليون عن أن ضعف البنية التعليمية، وتفشي الفقر، وتدهور الوضع النفسي والاجتماعي في بعض المناطق، يوفر بيئة خصبة لتلك الجهات لاستقطاب الأطفال بسهولة، تحت غطاء التدريب أو العمل التطوعي، ما يجعل التصدي لهذه الظاهرة يتطلب حلولاً شاملة تتجاوز مجرد التصريحات أو التنديد الإعلامي.
مطالبات بالتدخل العاجل
في ظل تصاعد هذه الظاهرة، تتزايد المطالبات للإدارة الذاتية بوضع حد نهائي لانخراط الأطفال في أي تشكيلات عسكرية أو سياسية. وتُعتبر مسؤولية حماية الطفولة مسؤولية مباشرة على عاتق السلطات المحلية، لا سيما في ظل استمرار النزاع في سوريا، وتزايد الضغوط النفسية والاجتماعية على العائلات.
كما تتعالى الأصوات الداعية إلى إنشاء مراكز متخصصة لحماية الطفولة، توفر خدمات نفسية واجتماعية وتعليمية للأطفال المعرضين للخطر، وتعمل على إعادة دمج من تم استقطابهم سابقًا، ضمن بيئة آمنة تضمن حقوقهم وتراعي احتياجاتهم.
تهديد للنسيج الاجتماعي
توسّع ظاهرة استقطاب القاصرين يُعد مؤشرًا مقلقًا على اختلال في التوازن المجتمعي، ويطرح تحديات أمام أي جهود مستقبلية لتحقيق الاستقرار المحلي. فحرمان الأطفال من حقهم في التعليم والأسرة والنمو الطبيعي لا يُهدد حاضرهم فقط، بل يُلقي بظلاله على مستقبل المنطقة بأكملها.
مع غياب حلول عملية وفعالة، تبقى فئة الأطفال هي الحلقة الأضعف، في وقت تتطلب فيه المرحلة الحالية استجابة أكثر جدية من السلطات والمجتمع المدني، لوقف الانتهاكات وضمان حماية حقوق الإنسان، وعلى رأسها حقوق الطفل.