تستعرض الدراسة التي أصدرها مركز رع للدراسات الاستراتيجية التحديات التي يواجهها "حزب الله" في لبنان بعد سلسلة من الهزائم العسكرية والخسائر البشرية التي تكبدها، خاصةً بعد حرب غزة أكتوبر 2023. تتناول الدراسة تأثير هذه الخسائر على قدرة الحزب العسكرية، وتطرح تساؤلات حول إمكانية التزامه بتسليم سلاحه والإفصاح عن مواقع تخزينه.
خلفية تاريخية وتطورات الوضع
منذ دخوله كجبهة إسناد لحركة حماس في حرب غزة أكتوبر 2023، تكبد "حزب الله" خسائر مادية وبشرية كبيرة. تم تدمير جزء كبير من بنيته العسكرية، وتم اغتيال أبرز قياداته، بما في ذلك الأمين العام السابق للحزب، "حسن نصرالله". تفاقمت الأزمة بعد سقوط نظام "بشار الأسد"، الحليف الاستراتيجي للحزب، وكذلك عقب حرب الـ12 يومًا بين إيران وإسرائيل. هذا الواقع الجديد دفع الولايات المتحدة إلى محاولة استثمار الوضع الراهن من خلال إعادة إبراز ملف سلاح "حزب الله"، مما دفع الحكومة اللبنانية إلى وضع هذا الملف على رأس أولوياتها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
شبكة الأنفاق التابعة لحزب الله
أعلنت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان ("يونيفيل") في 7 أغسطس 2025 عن اكتشاف شبكة واسعة من الأنفاق المحصنة التابعة لـ"حزب الله" بالتنسيق مع الجيش اللبناني، في محيط عدد من البلدات جنوب لبنان. هذه الأنفاق تحتوي على أسلحة وصواريخ وعددًا من المخابئ وقطع المدفعية وراجمات الصواريخ، إلى جانب مئات القذائف والصواريخ والألغام المضادة للدبابات والعبوات الناسفة الأخرى.
تتراوح عمق هذه الأنفاق بين سطحية تُستخدم لنقل العناصر والمواد، إلى أنفاق عميقة تصل إلى 60 مترًا تحت الأرض، تكاد تكون منيعة ضد الهجمات الجوية. تعد جبال وتلال لبنان بيئة مثالية لتشييد منشآت تحت الأرض، مما يمنح الحزب حرية مناورة كبيرة تحت الأرض.
ترسانة الأسلحة والخسائر البشرية
كان "حزب الله" يمتلك قبل حرب أكتوبر 2023 ترسانة ضخمة شملت صواريخ باليستية، وأخرى مضادة للطائرات والدبابات والسفن، إضافة إلى قذائف مدفعية غير موجهة. تُقدر ترسانته بحوالي 150 – 200 ألف صاروخ وطائرات مسيرة. مع ذلك، تشير التقديرات إلى أن الحزب خسر نحو 70% إلى 80% من قدراته الصاروخية ومعظم منظومات الطائرات المسيّرة، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى ومراكز القيادة، فضلًا عن مخازن الأسلحة وشبكات الاتصالات.
حتى الصواريخ المتبقية من النوع بعيد ومتوسط المدى أصبحت عمليًا خارج الخدمة، نظرًا لمحدودية منصات الإطلاق الثابتة أو شبه الثابتة، مما يجعلها أهدافًا سهلة للرصد الجوي الإسرائيلي.
أفادت بعض التقارير الإسرائيلية بالوصول إلى قواعد الحزب على عمق 10 كيلومترات من الحدود الجنوبية. وبسبب تشدد إسرائيل في مسألة نزع السلاح بالكامل، توسعت الغارات لتشمل البقاع وضاحية بيروت الجنوبية.
التحديات السياسية والضغوط الدولية
تواجه الحكومة اللبنانية ضغوطًا دولية متزايدة للضغط على "حزب الله" لتسليم سلاحه والإفصاح عن مواقع تخزينه. تُعتبر هذه القضية من أبرز القضايا على الساحة السياسية اللبنانية، مما يضع الحكومة في موقف صعب بين التزاماتها الدولية وواقعها الداخلي.
تُظهر الدراسة أن "حزب الله" يواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على قدراته العسكرية بعد سلسلة من الهزائم والخسائر. ومع الضغوط الدولية المتزايدة، قد يكون الحزب مضطرًا لإعادة تقييم استراتيجيته العسكرية. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى استعداده للكشف عن مواقع سلاحه وتسليمها، في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة.