رت 22 شهراً على العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث لا يزال حجم الدمار والمأساة فوق التصور. نحو 60 ألف شهيد، ومجتمع دولي غارق في صمته، يكتفي بتبرير الجرائم ومنح القاتل الوقت ليكمل مهمته. في ظل هذا الواقع، تُطرح أسئلة مُلحة: أين أهل الضفة؟ أين المقدسيون؟ وأين فلسطينيو الداخل المحتل عام 1948؟
القتل لم يكن كافيًا. الجوع أضيف كأداة إبادة، لكن حتى هذا لم يُحرّك ساكنًا. لا احتجاجات بحجم المأساة، ولا تحركات تُوازي الدماء المسفوكة. الفلسطينيون في الداخل، الذين هزّت أصوات القصف مسامعهم، لم يتحركوا. في الضفة، حيث الاستيطان يبتلع الأرض، والسلطة تتكفل باعتقال المقاومين، لا يزال الصمت عنوان المرحلة.
من المفهوم أن فلسطينيي 48 تأثروا بما حصل في السابع من أكتوبر. حجم الرعب الإسرائيلي غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، وردة الفعل على الفلسطينيين هناك كانت متوقعة. الخوف طبيعي في بيئة معادية، مسلحة بإيعاز من وزير الأمن القومي . لكن مرّ ما يكفي من الوقت؛ 22 شهراً ليست فترة قصيرة، فهل سيبقى الصمت هو الموقف الدائم؟
الهدوء الذي يلف الداخل غير مبرر. ليس المطلوب القيام بخطوات عسكرية أو أعمال عنف، بل الحد الأدنى من العمل المدني المشروع: تظاهرات، إضرابات، احتجاجات... أليس هناك هامش قانوني يمكن العمل ضمنه؟ وإذا مُنعت التظاهرات، كيف شُوهدت احتجاجات أمام السفارة المصرية في تل أبيب؟ ولماذا الاعتراض هناك، وليس أمام وزارة الأمن الإسرائيلية، حيث تُدار الحرب؟
هل أصبح الهمّ الوحيد لفلسطينيي 48 هو العمل، والرواتب، والحفاظ على بعض الامتيازات؟ هل نجحت إسرائيل في تدجينهم؟ ألا يستحق الدم في غزة أن يرفعوا الصوت؟ ألم يحن الوقت للمطالبة بإلغاء القوانين العنصرية؟ ألم يحن الوقت لرفض تصدّر شخصيات تطبّع باسمهم وتروّج للدولة التي تسلبهم حقوقهم؟
وفي القدس، حيث يفاخر البعض بعدد المصلين في الأقصى، لا تظاهرات، ولا اعتصامات، ولا إضرابات... فقط صلاة برضى المحتل، وتحت عينه. ألم يكن الغزيون هم من انتفضوا لأجلكم في 2021؟ ألم تبدأ "سيف القدس" دفاعاً عن الأقصى؟ لماذا لا يُردّ الجميل؟
في الضفة، الواقع أشد مرارة. السلطة تسهّل مهمة الاحتلال، تسبق جيشه أحيانًا في ملاحقة المقاومين. ومع ذلك، لا حراك شعبي حقيقي، لا انتفاضة، لا عصيان مدني، لا حتى احتجاجات رمزية. هل من بين أكثر من 3.4 مليون فلسطيني في الضفة، لا يوجد إلا 12 ألف مناضل (بين شهيد وأسير)؟ هل يُعقل أن الباقين لم تُحرّكهم هذه المذبحة المستمرة؟
نعم، المقاومون في المخيمات يعيشون في ظل مطاردة دائمة، وهذا مفهوم. لكن ماذا عن أبناء المدن؟ لماذا هذا الخمول؟ لا تتحركوا من أجل غزة، بل من أجل أنفسكم ومستقبلكم. اعترضوا على اعتداءات المستوطنين، على التوسع الاستيطاني، على تحويل مدنكم إلى معازل بلا سيادة.
الاحتلال لا يفرّق بين غزة وجنين ورام الله. وما جرى في جنين يمكن أن يتكرر في أي مكان. لا تظنوا أن "الاستقرار" الذي تروّج له السلطة سيحميكم طويلاً. فهو استقرار هش، قائم على رضى المحتل، وعلى فتات اقتصاد لا يملكون السيطرة عليه.
في 12 أغسطس 2025، اقتطعت إسرائيل 30 مليون دولار من أموال المقاصة، وقدّمتها "تعويضاً" لـ52 عميلاً سابقاً، بحجة أن السلطة "عذبتهم". هذه السلطة نفسها تتولى اليوم مهمة ضرب المقاومة في الضفة، ومع ذلك لا تُقابل بأي رد فعل شعبي.
كفى تذرعًا بالحكمة والعقلانية، وكأن ما يجري في غزة لا يعنيكم. التحرك اليوم ليس من أجل غزة فحسب، بل من أجل كرامتكم، ومن أجل بقائكم.