دراسة استراتيجية: تأثير العنف المجتمعي على مسار الانتقال السوري

القاهرة- وكالة أنباء آسيا

2025.08.19 - 12:37
Facebook Share
طباعة

تُعد سوريا اليوم واحدة من أكثر الدول تأثراً بالعنف المجتمعي، الذي أصبح يشكل عقبة رئيسية أمام عملية الانتقال السياسي المستدام. فبعد أكثر من عقد من الصراع، لا يزال المجتمع السوري يعاني من آثار الانقسامات الطائفية والقبلية، مما يُعقد جهود المصالحة الوطنية وإعادة بناء الدولة.


في دراسة حديثة أصدرها مركز راع للدراسات الاستراتيجية، تم تحليل تأثير العنف المجتمعي على مسار الانتقال السوري، مع التركيز على الجذور التاريخية، الديناميكيات الحالية، والانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب استشراف آفاق المصالحة الوطنية.


الجذور والدوافع

يُعرف العنف في الدراسات الاجتماعية والسياسية على أنه "استخدام القوة الجسدية أو النفسية لإلحاق الضرر بالآخرين"، وقد يتخذ أشكالًا متعددة بحسب السياق. في سوريا، يمكن التمييز بين نوعين رئيسيين من العنف:

1. العنف المجتمعي (Social Violence): ينشأ من صراعات داخلية بين مجموعات اجتماعية أو قبلية أو طائفية بسبب المنافسة على الموارد أو النفوذ أو لأسباب أخرى تؤدي لرفض الآخر.


2. العنف المتطرف (Extremist Violence): مرتبط بالأيديولوجيات المتطرفة أو الجماعات الإرهابية التي تستخدم القوة لتحقيق أهداف سياسية أو دينية.

 

تعود جذور العنف المجتمعي والطائفي في سوريا إلى مراحل تاريخية عديدة، بدءًا من الحقبة العثمانية، مرورًا بفترة الانتداب الفرنسي، وصولًا إلى الاستقلال؛ حيث عززت سياسات التفرقة والتقسيم التي اعتمدها الانتداب الفرنسي من الانقسامات الطائفية في البلاد، وأسهمت الهويات القبلية والمذهبية في الصراع المستمر على النفوذ والموارد، ما أدى إلى ترسيخ الانقسامات الاجتماعية والصراعات اللاحقة.

إضافًة إلى ذلك، عززت سياسات حزب البعث منذ وصوله إلى السلطة من الهيمنة العلوية على مفاصل الدولة الأمنية، ما نتج عنه عجز النظام عن تلبية التطلعات الشعبية بسبب الفساد والمحسوبية والولاءات وحكر كل شئ في الدولة بأيدي قلة مقربة من دائرة الحكم وحزب البعث، وتفاقمت على إثر ذلك الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.


ديناميكيات العنف المجتمعي في سوريا

أصبح العنف المجتمعي جزءًا من الحياة اليومية للمواطنين السوريين، ما يمكن إرجاعه إلى انفلات القيم السلوكية في الأفراد من عقالها بعد أن وجدت لنفسها البيئة المناسبة لتحفيزها. وبالتالي، تظل خير وسيلة لتحصين المجتمع من أشكال السلوك السلبي، هي السير نحو التنشئة الاجتماعية والعملية التربوية جنبًا إلى جنب بدور الأسرة ثم المدرسة والإعلام، لتكون المخرجات إيجابية.

يشهد المجتمع السوري تصاعدًا غير مسبوق في مستويات العنف منذ 2011، مع تداخل العنف المجتمعي والطائفي والعنف المتطرف، مما نتج عنه تفاقم الأزمة الإنسانية والاجتماعية.

تعود جذور العنف المجتمعي والطائفي في سوريا إلى مراحل تاريخية عديدة، بدءًا من الحقبة العثمانية، مرورًا بفترة الانتداب الفرنسي، وصولًا إلى الاستقلال؛ حيث عززت سياسات التفرقة والتقسيم التي اعتمدها الانتداب الفرنسي من الانقسامات الطائفية في البلاد، وأسهمت الهويات القبلية والمذهبية في الصراع المستمر على النفوذ والموارد، ما أدى إلى ترسيخ الانقسامات الاجتماعية والصراعات اللاحقة.

إضافًة إلى ذلك، عززت سياسات حزب البعث منذ وصوله إلى السلطة من الهيمنة العلوية على مفاصل الدولة الأمنية، ما نتج عنه عجز النظام عن تلبية التطلعات الشعبية بسبب الفساد والمحسوبية والولاءات وحكر كل شئ في الدولة بأيدي قلة مقربة من دائرة الحكم وحزب البعث، وتفاقمت على إثر ذلك الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

والصراعات الحالية بين البدو والدروز في الجنوب، وصراعات الكرد والسلطات المركزية بمساعدة عشائر عربية في الشمال، ناهيك عن الصراع العنيف في الساحل السوري بذريعة مواجهة فلول النظام السابق، جميعها تُظهر أن العنف المجتمعي في سوريا ليس مجرد نتيجة للصراع السياسي، بل هو نتاج عوامل تاريخية واجتماعية وثقافية متشابكة.


انعكاسات العنف المجتمعي على النسيج الاجتماعي والاقتصادي

1. الجانب الاجتماعي

أدى العنف المجتمعي إلى تدمير النسيج الاجتماعي في العديد من المناطق السورية، مع تهجير السكان وتدمير الممتلكات. كما أثر سلبًا على العلاقات بين المكونات الاجتماعية المختلفة، مما زاد من الانقسامات الطائفية والقبلية.

2. الجانب الاقتصادي

تسبب العنف المجتمعي في تدهور الاقتصاد المحلي، مع تعطيل الأنشطة الاقتصادية وتدمير البنية التحتية. كما أدى إلى تراجع مستويات المعيشة وزيادة معدلات البطالة والفقر.

3. الجانب النفسي والثقافي

أدى العنف المجتمعي إلى انتشار الصدمات النفسية بين السكان، مع زيادة معدلات الاكتئاب والقلق. كما أثر سلبًا على الهوية الثقافية للمجتمع السوري، مع تراجع قيم التعايش والتسامح.

 

آفاق المصالحة الوطنية

تُؤكد الدراسة على أهمية بناء رؤية علمية لبناء السلام وإعادة ترميم التماسك المجتمعي. وتُشير إلى ضرورة التفرقة بين العنف المجتمعي والعنف المتطرف لفهم وتحليل الديناميكيات المعقدة التي يشهدها المجتمع السوري.

تشمل آفاق المصالحة الوطنية المقترحة:

تعزيز المؤسسات المحلية: من خلال تمكينها من إدارة النزاعات بفعالية وتعزيز الثقة بين المكونات الاجتماعية.

التعليم والتثقيف: من خلال برامج تعليمية وتثقيفية تعزز القيم الوطنية المشتركة وتقلل من الانقسامات الطائفية.

العدالة الانتقالية: من خلال إنشاء آليات للمحاسبة والمصالحة تعزز من العدالة والشفافية.

التعاون الإقليمي والدولي: من خلال التنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية لدعم عملية المصالحة الوطنية.


العنف المجتمعي في سوريا ليس مجرد نتيجة للصراع السياسي، بل هو نتاج عوامل تاريخية واجتماعية وثقافية متشابكة. معالجته تتطلب رؤية استراتيجية طويلة الأمد تأخذ في الاعتبار هذه الأبعاد المتعددة، بهدف بناء مجتمع متماسك قادر على استيعاب الاختلافات وتحقيق الاستقرار السياسي.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 2