السويداء بين الحماية الإسرائيلية والمصير المجهول

رزان الحاج

2025.08.19 - 12:30
Facebook Share
طباعة

 تُعدّ أحداث السويداء الأخيرة، ورفع العلم الإسرائيلي خلالها، انعكاسًا صريحًا لمأزق الخيارات التي تواجهها الجماعات الطائفية والمذهبية في المنطقة. هذه اللافتة، التي تبدو على سطحها مجرد رمز، تعبّر في واقعها عن محاولات متجددة لإشعال صراعات داخلية، ترعاها وتدعمها قوى إقليمية ودولية تسعى إلى إعادة تشكيل خريطة النفوذ في الشرق الأوسط عبر خلق انقسامات حادة بين مكوّنات المجتمع.


إن ما يُطرح على أنه حماية إسرائيلية للسويداء، لا يمكن اعتباره ضمانًا حقيقيًا لأمن السكان، بل مشروعًا لمزيد من التعقيدات والاحتقانات التي قد تستمر لسنوات طويلة. فالمواجهة بين مكوّنات المحافظة وقبائل الجوار، خصوصًا مع الغالبية السنية في سوريا، تُظهر مدى هشاشة هذا “التحالف” المفترض، حيث يلوح في الأفق احتمال تصاعد المواجهات وموجات انتقام متبادلة، مما قد يؤدي إلى حصار متواصل وأزمة إنسانية متفاقمة.


الفكرة القائلة بأن الانفصال عن سوريا والانضمام إلى إسرائيل هو خيار ممكن وبسيط، تعكس وهمًا كبيرًا لدى بعض الأطراف في السويداء. فحتى مع الحروب المتواصلة التي عصفت بالمنطقة لعقود، لم يتم تغيير الحدود المرسومة منذ اتفاقية سايكس-بيكو، ولا تزال تعتبر دوليًا قائمة وشرعية، باستثناء بعض القرارات الاستثنائية التي لا تزال موضع جدل، مثل إعلان ترامب الاعتراف بالجولان المحتل كجزء من إسرائيل.


في حال نجحت إسرائيل في فرض واقع يجعل السويداء امتدادًا أمنيًا لها، فإن سكان المحافظة سيكونون في موقع الحماية من ناحية، لكنهم أيضًا سيكونون على الخط الأمامي للدفاع عن المصالح الإسرائيلية، وهو وضع قد يُعرّضهم لمخاطر متزايدة، خصوصًا في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة.


على الجانب الآخر، لا يمكن تجاهل الجهات التي نفذت المجازر في السويداء، فهي طرف أساسي في هذا الصراع المعقد، ولا يمكن لإسرائيل أن تحقق أهدافها في المنطقة دون التنسيق أو التعامل مع هؤلاء. والنتيجة الحتمية لهذا الواقع هو وقوع المجتمع الدرزي في سوريا أمام خيارين متناقضين وصعبين للغاية، حيث يتحول وضعهم إلى مأزق حقيقي، مع احتمالات كبيرة لاستغلالهم سياسيًا من قبل جهات خارجية.


وبينما تبدو السويداء الحالة الأكثر وضوحًا وقابلية للاستثمار من قبل القوى الإقليمية والدولية، فإن هذا النموذج ليس الوحيد في سوريا. فمنطقة الساحل السوري تبدو أقل عرضة لمثل هذه السيناريوهات، في حين أن الشمال الشرقي لسوريا يظهر بوادر مشابهة، رغم تعدد الأطراف الحامية له، بدءًا من القوات الأمريكية والفرنسية والإسرائيلية، مرورًا بالقوى الكردية العراقية التي تحتضنها، في ظل حساسية تركية عالية تجاه أي تحرك كردي.


خطورة ما يحدث في السويداء تكمن في كونه أول اختراق إسرائيلي معلن على مستوى الجماعات داخل العالم العربي، بعد أن كانت هذه الاختراقات تقتصر سابقًا على أنظمة الحكم فقط. وحتى في المناطق الكردية بالعراق، حيث شهد رفع علم إسرائيلي بشكل محدود، ظل هذا الاختراق محصورًا ومحدود التأثير، بسبب الظروف السياسية الخاصة التي تحكم علاقة الأكراد بالدولة العراقية.


ورغم ذلك، يبقى هذا الاختراق الإسرائيلي محدودًا وغير شامل، إذ لا يشمل الجماعات التي خاضت معارك مباشرة مع إسرائيل عبر التاريخ، سواء من خلال جيوش الدول العربية أو حركات المقاومة المختلفة. وللجماعة الدرزية، خصوصًا في الجولان المحتل، تاريخ من الرفض للمواطنة الإسرائيلية، والذي عبر عنه العديد منهم برفض الحصول على الجنسية ورفض التواصل مع الاحتلال.


في النهاية، يمكن فهم ما يجري في السويداء كجزء من استراتيجية أوسع تتبناها الولايات المتحدة وإسرائيل، تهدف إلى تفتيت المجتمعات وتقسيمها، وتحويلها إلى مناطق نزاع مستمرة يصعب فيها التعايش، وفي الوقت ذاته تعزز حضور إسرائيل كـ”الضامن” للأمن لبعض الجماعات على حساب الآخرين. هذه السياسة التي تستخدم حماية بعض الفئات كغطاء لاحتوائها، في واقعها تسعى لإضعاف قوى المقاومة وتجفيف مصادر قوتها.


إسرائيل تدرك أن فرض سيطرتها وأمنها بالمنطقة لا يتحقق بسهولة رغم النجاحات العسكرية التي حققتها مؤخرًا. ضربات المقاومة ما زالت قائمة، والضغوط السياسية لم تثمر بعد مكاسب حقيقية تقربها من تحقيق السلام من خلال القوة، وهو هدف حكومتها الحالي. وبذلك، لا تبدو سوى خطوة واحدة متاحة: تحويل الشرق الأوسط إلى مسرح مستمر من الصراعات بين مكوناته، بحيث تستحيل إمكانية التعايش السلمي، وتظل إسرائيل في موقع منفصل، غير مقبولة كدولة طبيعية ضمن هذا الواقع المتوتر.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 2