السويداء: استقرار هش وسط أزمات متعددة

وكالة أنباء آسيا

2025.08.19 - 09:51
Facebook Share
طباعة

جددت وزارة الخارجية السورية، بعد لقاءاتها مع عدد من القيادات الأممية، التأكيد على أن دخول المساعدات الإنسانية إلى محافظات الجنوب السوري، وبالأخص السويداء ودرعا، مفتوح دون أي قيود. البيان الرسمي لوزارة الخارجية دعا إلى تعزيز الاستجابة الإنسانية للمتضررين، وحث الدول المانحة على زيادة حجم التمويلات الموجهة للبرامج الإنسانية في البلاد، في وقت تعيش المحافظة تحديات أمنية وإنسانية متشابكة بعد سلسلة من الاشتباكات القبلية.


شهدت السويداء في 13 يوليو الماضي اشتباكات دامية استمرت أسبوعًا بين مقاتلين دروز وعشائر بدوية، خلفت مئات القتلى ونزوح نحو 200 ألف شخص وفق تقديرات الأمم المتحدة. تدخلت قوات الأمن الحكومية لاحتواء العنف وفرض النظام، وأُعلن عن وقف لإطلاق النار منذ 19 يوليو، ليشهد الجنوب السوري فصلًا جديدًا من الاستقرار النسبي.

منذ بداية الأزمة، تم تسيير أكثر من 12 قافلة مساعدات إلى السويداء، تشمل المواد الغذائية الأساسية، الحليب للأطفال، الأدوية والمستلزمات الطبية، وهو ما يعكس التعاون بين الدولة السورية والمنظمات الإنسانية الدولية لتخفيف معاناة السكان.


النزوح الكبير وتدمير البنية التحتية للمحافظة يجعل من السويداء منطقة معرضة لأزمات إنسانية متجددة. بحسب تقارير الأمم المتحدة، يعاني النازحون من نقص حاد في المأوى والغذاء والرعاية الصحية، ويعيش العديد منهم في مخيمات مؤقتة تحت ظروف صعبة، وسط حاجة ماسة لتدخل دولي عاجل.

الاستجابة الإنسانية في السويداء تواجه تحديات لوجستية كبيرة، تشمل صعوبة الوصول إلى بعض المناطق النائية، وتوزيع الموارد بشكل عادل بين النازحين والمقيمين، مع مخاوف من أن تؤدي التوترات المحلية المتجددة إلى تعطيل إيصال المساعدات.


تظل السويداء هشّة على صعيد الأمن، إذ يعتمد الاستقرار بشكل مباشر على التزام الأطراف المحلية بوقف العنف وقدرة الحكومة على فرض القانون. تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع حول وحدة الأراضي السورية، وتحذيره من استغلال بعض الأطراف للدعم الخارجي من إسرائيل، تكشف عن البعد الإقليمي للنزاع المحلي، وارتباط الأحداث في السويداء بتوترات أكبر تشمل الضغوط الإقليمية على الحكومة السورية.

من جانب آخر، الاشتباكات الأخيرة تعكس تصاعدًا في التوترات القبلية المحلية بين الدروز والعشائر البدوية، والتي كثيرًا ما تتقاطع مع تأثيرات القوى الخارجية، ما يجعل أي انفلات أمني محتمل يمثل تهديدًا ليس فقط للسويداء، بل للجنوب السوري بشكل عام.


السويداء، محافظة جنوبية سورية ذات أغلبية درزية، لطالما اعتبرت منطقة مستقرة نسبيًا مقارنة بباقي المحافظات السورية، لكنها تعرضت في السنوات الأخيرة لتوترات محلية متكررة. النزاعات القبلية، تدخل جماعات مسلحة متفرقة، والأزمات الإنسانية المتكررة، كشفت عن هشاشة البنية الاجتماعية والأمنية في المحافظة.

تاريخيًا، شكلت السويداء ملاذًا للدرزيين في سوريا، وهي المحافظة التي حافظت على تقاليدها وعلاقاتها القبلية المعقدة، ما جعل إدارة النزاعات فيها عملية دقيقة تتطلب تدخل الدولة وبناء جسور ثقة مع المجتمع المحلي لضمان الأمن والاستقرار.


استقرار السويداء الحالي هش للغاية، ويعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية:

1. التزام الأطراف المحلية بوقف العنف: أي انتهاك لوقف إطلاق النار قد يؤدي إلى تجدد النزاع وانتشار العنف إلى مناطق مجاورة.


2. قدرة الدولة على فرض الأمن: وجود قوات الأمن الحكومية ومقدرتها على السيطرة على النزاعات القبلية يعد عاملاً حاسمًا لاستقرار المحافظة.


3. الدعم الدولي والإنساني: التمويل المستمر للبرامج الإنسانية والتدخلات الدولية المنسقة يمكن أن يمنع تدهور الوضع الإنساني ويقلل من احتمالية اندلاع نزاعات جديدة.

 

التحدي الأكبر يكمن في هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للنازحين، الذين يحتاجون إلى برامج دعم طويلة الأمد، لا تقتصر على المساعدات العاجلة فقط، بل تشمل إعادة بناء البنية التحتية، وتأمين فرص عمل، والتعليم والرعاية الصحية.


وقف إطلاق النار في السويداء يمثل فرصة لإعادة الاستقرار المؤقت، لكنه ليس حلاً دائمًا للأزمة. نجاح هذه المبادرة يعتمد على التعاون بين الحكومة السورية والمجتمع الدولي، وعلى التزام الأطراف المحلية بضبط النفس، واستمرار التمويل والدعم للمتضررين. السويداء اليوم تواجه مفترق طرق: إما التعافي التدريجي واستعادة الاستقرار، أو الانزلاق إلى أزمات جديدة نتيجة الضغوط المحلية والإقليمية، مع استمرار معاناة السكان الأبرياء.

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 1