هل يتحول البحر الأحمر إلى ساحة هدنة اقتصادية أم ساحة صراع مستتر؟

وكالة أنباء آسيا_ رباب الامين

2025.08.18 - 05:10
Facebook Share
طباعة

منطقة البحر الأحمر لم تعد مجرد ممر مائي استراتيجي للتجارة العالمية، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى ساحة اختبار لتوازنات إقليمية ودولية دقيقة.
فالتوترات الأمنية والهجمات على السفن والتنافس بين القوى الكبرى ألقى بظلاله الثقيلة على حركة التجارة، مما جعل المنطقة على حافة مواجهة مفتوحة. غير أن التطورات الأخيرة تشير إلى محاولة صياغة هدنة اقتصادية غير معلنة، حيث تدفع مصالح الأطراف المختلفة نحو التهدئة المؤقتة حفاظًا على عصب التجارة العالمية.

الهدنة الاقتصادية في البحر الأحمر تبدو أقرب إلى تفاهم ضمني بين القوى الإقليمية والدولية أكثر من كونها اتفاقاً مكتوبًا.
الأطراف المعنية، سواء دول الخليج أو القوى الغربية أو حتى بعض الأطراف الأفريقية، تدرك أن أي تفجر جديد في المنطقة لن يضر بخصومها وحدهم، سيفرض أثمانًا باهظة على الجميع ومن هنا جاء الاتجاه إلى تقليل حدة التصعيد، مع فتح قنوات خلف الكواليس لتنسيق المواقف في ما يتعلق بأمن الممرات البحرية وضمان استمرار تدفق التجارة والنفط.

غير أن هذه الهدنة ليست سوى واجهة تخفي صراعات عميقة فالتنافس بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ الاقتصادي في المنطقة لا يزال قائماً، بينما تحاول روسيا إيجاد موطئ قدم في معادلة الموانئ وخطوط الإمداد، في الوقت ذاته، تسعى القوى الإقليمية، خصوصاً السعودية والإمارات ومصر، لتأمين مواقع استراتيجية في الموانئ والجزر، خشية أن تتحول الترتيبات الحالية إلى فرصة لهيمنة قوى خارجية على ما يعتبرونه مجالًا حيوياً هذه الحسابات المتداخلة تجعل من البحر الأحمر مساحة صراع بارد، يدار بآليات التهدئة المؤقتة أكثر من التسويات الحقيقية.

اقتصادياً، لم يعد ممكناً فصل البحر الأحمر عن أزمات الطاقة والتجارة العالمية الهجمات التي شهدتها المنطقة خلال العامين الماضيين على السفن التجارية رفعت تكاليف التأمين والشحن إلى مستويات غير مسبوقة، ما دفع بعض الشركات إلى البحث عن بدائل، رغم أن الطريق عبر رأس الرجاء الصالح أطول وأكلف ومع ذلك، فإن عودة الخطوط الملاحية تدريجيًا تعكس إدراك الشركات الكبرى أن الهدنة القائمة، مهما كانت هشة، أفضل من انقطاع تام يضر بسلاسل الإمداد العالمية.

من الناحية السياسية، تبدو الهدنة انعكاساً لحسابات متبادلة أكثر من كونها نتيجة إرادة جماعية القوى الإقليمية تحتاج فترة هدوء لترتيب ملفاتها الداخلية، فيما ترى القوى الدولية أن استمرار التوتر يضعف مصالحها الاقتصادية. لكن خلف هذا التوازن المؤقت، يبقى التوجس قائمًا، إذ لا توجد ضمانات حقيقية بأن هذه التفاهمات ستصمد أمام أي تطور عسكري أو أزمة إقليمية مفاجئة.

البحر الأحمر، إذن، يقف اليوم بين خيارين متناقضين. الأول أن تتحول الهدنة الاقتصادية إلى مدخل لتفاهمات أوسع تعيد رسم قواعد الأمن والتجارة في المنطقة على أسس جديدة. والثاني أن تظل مجرد استراحة قصيرة في صراع طويل الأمد، لا يلبث أن يتفجر مع أول شرارة سياسية أو عسكرية وفي ظل غياب إطار مؤسسي جامع يضمن الاستقرار، يبدو أن المنطقة محكومة بمزيد من المساومات المؤقتة بدل الحلول الدائمة.

يظل البحر الأحمر مختبراً دقيقاً للتوازن بين المصالح الاقتصادية وضرورات الأمن، هدنة اليوم قد تمنح الجميع بعض الوقت لكنها لن تزيل جذور التنافس التي تغذي الصراع خلف الكواليس. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 4