اتهمت منظمة العفو الدولية إسرائيل باتباع سياسة تجويع "متعمدة" ضد سكان غزة، وسط تحذيرات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية من اقتراب القطاع الفلسطيني من مجاعة شاملة. التقرير الجديد يعكس تصعيد الأزمة الإنسانية، ويطرح تساؤلات حول المسؤولية الدولية تجاه المدنيين الفلسطينيين الذين يعانون منذ أكثر من عامين من آثار الحرب والحصار.
وقالت منظمة العفو الدولية بعد مقابلات مع 19 نازحاً فلسطينياً وعنصرين طبيين يعالجون أطفالاً يعانون سوء التغذية، إن إسرائيل تنفذ "حملة تجويع ممنهجة" تستهدف الصحة والسلامة والنسيج الاجتماعي للفلسطينيين. وأكدت المنظمة أن الجوع والمرض المتزامن ليسا نتيجة مؤسفة للعمليات العسكرية، بل نتيجة سياسات متعمدة نفذت على مدار 22 شهراً لتدمير السكان جسدياً، في إطار ما وصفته بالإبادة الجماعية الجارية.
وفي أبريل الماضي، كانت المنظمة قد اتهمت إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية على الهواء مباشرة" في غزة، في سياق الحرب المستمرة منذ هجوم حركة حماس على جنوب إسرائيل في أكتوبر 2023.
وردت وزارة الخارجية الإسرائيلية على الاتهامات بالقول إنها "كاذبة وعارية عن الصحة". كما نفت هيئة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية (كوغات) وجود سوء تغذية واسع، متهمة حركة حماس بـ"ترويج سردية المجاعة".
إلا أن الأرقام الميدانية تشير إلى مأساة إنسانية متفاقمة: تقدّر وزارة الصحة في غزة أن 227 شخصاً قضوا جوعاً منذ بداية الحرب، بينهم 103 أطفال، بينما سجلت منظمة الصحة العالمية وفاة 148 شخصاً بسبب سوء التغذية منذ يناير 2025. ويشير برنامج الأغذية العالمي إلى أن أكثر من ثلث السكان يمرون أياماً بلا طعام، مع 300 ألف طفل يواجهون خطر سوء التغذية الحاد، بسبب قيود إسرائيل على إدخال المساعدات.
ومنذ اندلاع الحرب، فرضت إسرائيل حصاراً محكماً على القطاع، شددته في مارس بمنع دخول أي مساعدات أو سلع تجارية، ما أدى إلى أزمة إنسانية حادة. وفي مايو، سمحت إسرائيل بإدخال كميات محدودة من المواد الغذائية عبر مؤسسة غزة الإنسانية، الممولة من إسرائيل وواشنطن، والتي رفضت وكالات الأمم المتحدة التعامل معها.
الحصار المستمر والقيود المفروضة على دخول المساعدات إلى غزة يعكس استراتيجية إسرائيلية شاملة للضغط على القطاع، بما يتجاوز العمليات العسكرية المباشرة. فقد أصبح المدنيون الفلسطينيون هدفاً لسياسات اقتصادية وإنسانية قاسية، تُلقي بظلالها على مستقبل الأطفال والبنية الاجتماعية للقطاع.
تحليل الموقف الدولي يشير إلى تباين واضح: الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية تدق ناقوس الخطر، بينما إسرائيل تصر على نفي الاتهامات واتهام حماس بتزييف الواقع. هذا التوتر يعكس مأزقاً قانونياً وأخلاقياً على الساحة الدولية، حيث يتطلب التدخل الإنساني ضغطاً سياسياً متوازناً بين حماية المدنيين ومنع تفاقم الأزمة.
في ظل استمرار الحصار والسياسات الإسرائيلية، من المتوقع أن يتفاقم الوضع الغذائي في غزة خلال الأشهر المقبلة، مع تزايد خطر تفشي الأمراض وسوء التغذية. كما يطرح هذا الواقع أسئلة حول قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول للمتضررين، واحتمالات تدخل دولي أكثر فاعلية لوقف ما وصفته منظمات حقوقية بالإبادة الجماعية الغذائية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستدام.