سوريا بعد النزوح: هل العودة ممكنة؟

رزان الحاج

2025.08.18 - 11:52
Facebook Share
طباعة

 تطرح التساؤلات الأخيرة حول عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم تحديًا مركبًا على الصعيدين السياسي والإنساني. مع مرور سنوات على النزاع المسلح، بلغ عدد السوريين الذين اضطروا لمغادرة بلادهم نحو 14 مليون نسمة، نصفهم تقريبًا في الدول المجاورة وأوروبا. في ضوء التغيرات السياسية الأخيرة، بما في ذلك سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة أحمد الشرع، بدأ الخطاب الأوروبي يشير إلى إمكانية العودة، مع تعليق طلبات اللجوء والنظر في ترحيل بعض اللاجئين. إلا أن السؤال الأبرز يبقى: هل سوريا جاهزة فعليًا لاستقبال سكانها النازحين؟


واقع العودة: بين الأمل والتحدي
منذ التحولات الأخيرة، عاد نحو نصف مليون سوري من الدول المجاورة، إلا أن هؤلاء يواجهون تحديات هائلة. الأمن لا يزال هشًا، والبنية التحتية مدمرة، والخدمات العامة محدودة، فيما يفاقم الاقتصاد المتعثر أزمة السكن وإمكانية إعادة الإدماج. هذه الحقائق تشير إلى أن العودة واسعة النطاق، من دون شروط واضحة، قد تكون محفوفة بالمخاطر وتؤدي إلى نزوح جديد، بدلًا من تحقيق الاستقرار.


الانقسامات الاجتماعية والسياسية
على الرغم من بعض الإصلاحات الرمزية، مثل تشكيل حكومة انتقالية أكثر شمولاً ودمج الأقليات في المؤسسات، لا تزال الانقسامات العميقة تهدد استقرار البلاد. الهجمات على الأقليات، والحوادث الأمنية مثل القصف الإسرائيلي واشتباكات السويداء، تؤكد هشاشة الوضع. هذا يعني أن العودة تحتاج أكثر من مجرد وعود حكومية؛ فهي تتطلب مصالحة حقيقية على المستوى المحلي، وضمانات قانونية وحقوقية للأقليات، واستعادة البنية التحتية والخدمات الأساسية.


الصحة والألغام الأرضية: عقبة إنسانية كبيرة
يبقى القطاع الصحي في سوريا في حالة حرجة بعد تدمير المستشفيات وهجرة الكوادر الطبية. نقص الموارد والقدرة على تقديم الرعاية الضرورية يشكل تهديدًا مباشرًا للنازحين العائدين. إضافة إلى ذلك، تواصل الألغام الأرضية والعبوات الناسفة حصد أرواح المدنيين، بما فيها الأطفال، ما يجعل أي عودة بدون عمليات إزالة آمنة محفوفة بالمخاطر.


ملكية الأرض: عائق أساسي أمام العودة
يشكل ضمان حقوق الملكية تحديًا رئيسيًا. القوانين السابقة، مثل المرسوم 66 والقانون 10، سمحت بمصادرة ممتلكات النازحين دون تعويض، في حين تفتقر المناطق المحررة إلى آليات قانونية واضحة. هذا الوضع يعوق الاستثمار وإعادة الإعمار ويزيد من هشاشة عودة اللاجئين. يُظهر التاريخ، كما في البوسنة والهرسك بعد اتفاقيات دايتون، أن لجان مطالبات ملكية محايدة ومدعومة دوليًا يمكن أن تكون أداة فعالة لضمان حقوق العائدين.


الدعم الدولي واستراتيجية العودة
يتطلب تأمين عودة آمنة ومستدامة جهودًا دولية منسقة مع قيادة محلية سورية. التمويل من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج يجب أن يركز على تعزيز المصالحة المجتمعية، ودعم الأمن المحلي، وإعادة بناء الخدمات الأساسية، مع ضمان إشراف دولي مستقل لمتابعة التنفيذ. كذلك يجب أن تكون المساعدات مشروطة بالتقدم الملموس نحو معايير محددة، بما في ذلك حماية الأقليات والشفافية القانونية.


شروط العودة المستدامة
إن العودة الناجحة تتطلب بناء ركائز مترابطة: أولًا، استقرار أمني شامل، وثانيًا، حماية قانونية للأقليات، وثالثًا، بنية تحتية صحية وتعليمية ومساكن كافية، ورابعًا، ضمان حقوق الملكية للأفراد والمستثمرين. أي عودة تسبق تحقيق هذه الشروط قد تؤدي إلى نزوح جديد وإعادة إنتاج الصراع.

 

الأمر الأكثر تعقيدًا هو أن هذه العملية ليست مجرد مسألة إعادة توطين؛ فهي اختبار لقدرة الدولة والمجتمع السوري على تجاوز الانقسامات العميقة وتحقيق مصالحة حقيقية. الاستقرار يتطلب إرادة محلية قوية مدعومة بإطار دولي متوازن، يضمن المراقبة والمساءلة دون فرض سيطرة خارجية مفرطة قد تقوض شرعية العملية.


سوريا ليست بعد جاهزة لاستقبال ملايين النازحين بأمان. العودة الطوعية، التدريجية، والمراقبة بدقة هي السبيل الوحيد لتجنب إعادة إشعال النزاعات. ذلك يتطلب توافر شروط واضحة: أمن شامل، حماية حقوق الأقليات، بنية تحتية متينة، نظام صحي قادر، وإجراءات قانونية لضمان الملكية. من دون هذه الركائز، فإن العودة المبكرة لن تكون إلا مغامرة محفوفة بالمخاطر، مع مخاطر إنسانية وسياسية كبيرة.


إدارة هذه المرحلة الانتقالية بشكل حكيم ومدروس، مع توازن بين القيادة المحلية والدعم الدولي، تمثل الطريق الأضمن لتحقيق استقرار دائم وعودة كريمة وآمنة للنازحين السوريين. سوريا بحاجة اليوم إلى إعادة بناء مجتمعها، وليس مجرد إعادة توزيع سكانها.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 10