أعلام إسرائيل في السويداء.. أزمة وهوية منقسمة

سامر الخطيب

2025.08.18 - 11:29
Facebook Share
طباعة

 شهدت محافظة السويداء خلال الأيام الماضية تصعيدًا لافتًا أثار جدلًا واسعًا داخل سوريا وخارجها، بعد رفع بعض المتظاهرين علم إسرائيل في ساحة الكرامة بمدينة السويداء، إلى جانب شعارات دعت إلى الانفصال والارتهان لقوى خارجية. هذه المشاهد التي التقطتها عدسات الناشطين لم تمر مرور الكرام، بل فجرت موجة واسعة من التساؤلات والاتهامات المتبادلة حول مستقبل المحافظة وموقعها في الخريطة الوطنية.


مظاهرات متناقضة
في قرى جبل السماق بمحافظة إدلب، خرجت مظاهرات موازية لأبناء القرى الدرزية، رافضة بشكل قاطع ما وصفوه بـ"الأصوات الانفصالية" في السويداء، ومؤكدة تمسكها بوحدة سوريا. حمل المتظاهرون لافتات ضد التدخل الخارجي، واعتبروا أن من يراهن على إسرائيل إنما يسير نحو طريق مسدود، مذكرين بتجارب مشابهة في لبنان وغيرها انتهت بالتخلي عن تلك الجماعات بعد استخدامها كورقة ضغط.


في المقابل، شدد مشاركون في مظاهرة إدلب على أن شخصيات مثل حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل الثلاثة في السويداء، لا تمثل إلا شريحة ضيقة جدًا، وأن مواقفها لا تعكس موقف عموم الدروز الذين ما زال كثير منهم متمسكًا بالوحدة الوطنية ويرفض أي تعاون مع إسرائيل أو أي قوة خارجية.


انقسام داخلي في المرجعيات الدينية
يعود هذا الجدل في جزء كبير منه إلى الانقسام بين المرجعيات الدينية في السويداء. فبينما واصل الشيخ حكمت الهجري إطلاق تصريحات داعية لتدخل تل أبيب، معبرًا في أكثر من مناسبة عن امتنانه لإسرائيل، تمسك مشايخ آخرون مثل يوسف جربوع وحمود الحناوي برفض أي تدخل خارجي أو مشاريع تقسيمية، مؤكدين أن السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا. هذا التباين خلق حالة من الارتباك الداخلي بين الأهالي، خاصة مع استغلال وسائل إعلام إقليمية ودولية لهذه المواقف لتغذية الانقسام.


بين خطاب “الكرامة” وشعارات الانفصال
يرى ناشطون أن ما جرى في ساحة الكرامة يمثل انحرافًا خطيرًا عن مسار الحراك المطلبي في السويداء، الذي بدأ باحتجاجات ضد التدهور الاقتصادي وغياب الخدمات. إذ تحوّل رفع علم الاحتلال إلى رسالة صادمة لكثير من السوريين الذين كانوا يتعاطفون مع معاناة السويداء. واعتبر بعضهم أن "من يرفع علم عدو تاريخي على مقام ديني باسم الكرامة، إنما يفقد القضية مشروعيتها، ويحوّلها إلى ورقة بيد الخارج".


ردود فعل متباينة
التفاعل الشعبي مع الأحداث كشف عن انقسام حاد:
- فريق حمّل الحكومة السورية المسؤولية الكاملة، معتبرًا أن إهمالها المزمن للمحافظة، والتعامل معها أمنيًا بدل سياسيًا، هو ما خلق فراغًا ملأه دعاة الانفصال.
- فريق آخر وجّه أصابع الاتهام مباشرة للهجري وجماعته، معتبرًا أنهم "زجوا بالسويداء في مسار لا يمثل أهلها"، وأن استدعاء إسرائيل لا يختلف عن استدعاء أي قوة أجنبية أخرى لإضعاف الداخل السوري.


بين الهواجس المحلية والحسابات الإقليمية
من الواضح أن ما يحدث في السويداء ليس معزولًا عن السياق السوري الأوسع، حيث تعيش مناطق متعددة أزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية خانقة. لكن خصوصية السويداء تكمن في ثقلها الرمزي كمنطقة درزية، وفي محاولات أطراف إقليمية استغلال هذا الثقل للضغط على دمشق.


رفع العلم الإسرائيلي لم يكن مجرد فعل احتجاجي عابر، بل إشارة رمزية إلى تحوّل في الخطاب لدى بعض المجموعات، لكنه يفتح الباب أمام مخاطر حقيقية على وحدة البلاد. فالتجارب الإقليمية أثبتت أن "الرهان على الخارج" لا يوفر حلولًا دائمة، بل يجعل المجتمعات المحلية أدوات في صراعات الآخرين.


السيناريوهات الممكنة
أمام هذا المشهد، تبدو الاحتمالات مفتوحة:
- إذا استمرت دمشق في تجاهل مطالب السويداء الاقتصادية والسياسية، فقد يزداد نفوذ الأصوات المتطرفة التي تروج للتقسيم.
- أما إذا بادرت الحكومة بخطوات عملية نحو المصالحة الداخلية، وضبط الأمن دون استفزاز، وتقديم ضمانات حقيقية للمجتمع المحلي، فقد يتراجع خطاب الهجري وأمثاله تدريجيًا.
- على الجانب الآخر، تبقى إسرائيل حاضرة كلاعب يراقب المشهد ويحاول الاستثمار فيه، لكنها نادرًا ما تمنح دعمًا استراتيجيًا طويل الأمد لأي طرف محلي، ما يجعل الاعتماد عليها رهانًا محفوفًا بالمخاطر.


الأحداث الأخيرة في السويداء تكشف عن مأزق مزدوج: أزمة ثقة بين الأهالي والدولة، وأزمة هوية بين من يتمسكون بالانتماء الوطني ومن يرون في الخارج ملاذًا بديلاً. غير أن التاريخ السوري يوضح أن مثل هذه النزعات الانفصالية، مهما بلغت حدتها، تبقى عابرة ما دامت لا تجد بيئة حاضنة واسعة.


وبينما تبقى أصوات العقل الداعية إلى الوحدة الوطنية حاضرة، فإن التحدي الأكبر أمام جميع الأطراف اليوم هو كيف يمكن تجاوز هذا المنعطف الحاد دون انزلاق نحو صدام داخلي أو ارتهان طويل الأمد للخارج.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 8