نفى الجيش اللبناني بشكل قاطع أي خرق للأجواء السورية من قبل قواته الجوية، في وقت تصاعدت فيه التوترات على الحدود بين لبنان وسوريا، بعد تهديدات أطلقتها مجموعات مسلحة سورية بالدخول إلى الأراضي اللبنانية وتنفيذ عمليات أمنية. جاء هذا النفي في بيان رسمي للجيش، أكّد فيه على مراقبة الوضع الحدودي واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الحدود، مع استمرار التنسيق مع السلطات السورية لمتابعة أي تطورات.
الجيش اللبناني دعا إلى ضرورة التحلي بالمسؤولية وتوخي الدقة عند نقل الأخبار المتعلقة بالحدود، مشيرًا إلى أن الأخبار غير الدقيقة قد تثير توترات قد تتجاوز السيطرة، وأن المرجعية الأساسية للحصول على المعلومات هي البيانات الرسمية الصادرة عنه.
تهديدات عشائرية سورية
تزامن ذلك مع تصريحات المنسق العام للحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريين، مارون الخولي، الذي وصف التهديدات الصادرة عن بعض العشائر السورية باجتياح الحدود اللبنانية خلال 48 ساعة تحت ذريعة الإفراج عن معتقلين في سجن رومية بأنها “انتهاك صارخ للقانون الدولي والسيادة اللبنانية”. وناشد الخولي الحكومة اللبنانية بملاحقة مطلقي هذه التهديدات وفق قانون العقوبات، مطالِبًا المجتمع الدولي بالضغط على دمشق لإيقاف التحريض، ومؤكدًا أن لبنان “ليس ساحة للتصفيات”.
كما دعا الخولي إلى تفعيل أبراج المراقبة المزودة بكاميرات بعيدة المدى، لضمان رصد أي تحركات عدائية على الحدود، مشددًا على أن أي تساهل في حماية الحدود سيكون مسؤولية الحكومة اللبنانية بالكامل.
وفاة سوري في سجن رومية وتدهور الأوضاع الإنسانية
في سياق متصل، توفي أسامة محمود الجاعور في قسم الأمراض العقلية داخل سجن رومية في 14 آب 2025، بعد تدهور حالته الصحية نتيجة التعذيب أثناء اعتقاله في عرسال، إثر مشاركته في محطات الثورة السورية. وأوضح جاره أن التعذيب تسبب له بإصابات عصبية نتج عنها شلل جزئي في قدميه ورجفة في يديه، ما جعل حياته اليومية صعبة للغاية. رغم تخفيف حكمه من الإعدام إلى السجن المؤبد بعد جهود قانونية، استمر تدهور حالته الصحية حتى وفاته في السجن.
سجن رومية، الواقع شمال شرقي بيروت، يُعد أكبر سجون لبنان ويستوعب أكثر من 4000 نزيل رغم أن طاقته الرسمية لا تتجاوز 1200 نزيل. هذه الازدحامات تؤدي إلى تفاقم سوء الخدمات، ونقص الرعاية الصحية، وتأخر المحاكمات، خاصة للمعتقلين السوريين. خلال العامين الماضيين، نفذ العديد من هؤلاء المعتقلين إضرابات عن الطعام احتجاجًا على الظروف المعيشية الصعبة، وسجلت منظمات حقوقية عديدة وفيات ناتجة عن الإهمال الطبي أو سوء التعامل مع الأمراض المزمنة.
كما وثقت منظمات حقوق الإنسان، مثل “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، خروقات للاتفاقية القضائية بين لبنان وسوريا لعام 1951، تضمنت تسليم معتقلين سوريين إلى الحكومة السورية السابقة، ما أدى إلى تعرضهم للاختفاء القسري أو التعذيب والإعدام خارج القضاء.
تأتي هذه التطورات في وقت حساس يواجه فيه لبنان ضغوطًا سياسية وأمنية متزايدة نتيجة توترات داخلية وخارجية. تهديدات العشائر السورية، رغم أنها قد تبدو محدودة الحجم، تحمل دلالات خطيرة على هشاشة الحدود اللبنانية-السورية، خاصة في ظل القدرة المحدودة على مراقبة طول الحدود الكامل باستخدام نقاط تفتيش محدودة. كما يعكس الوضع في سجن رومية أبعادًا إنسانية وحقوقية تقلق المجتمع الدولي، خصوصًا مع تكرار حالات الوفاة والإضرابات عن الطعام، وهو ما يزيد الضغط على السلطات اللبنانية لتحسين ظروف الاحتجاز وضمان احترام القانون الدولي وحقوق المعتقلين.
يبقى التنسيق بين الجيش اللبناني والسلطات السورية، إضافة إلى دعم المجتمع الدولي، من العوامل الأساسية لتجنب التصعيد، لكن استمرار التهديدات والتحريضات من بعض العشائر السورية يضع لبنان أمام اختبار حقيقي لقدراته الأمنية والإنسانية، ويبرز الحاجة الملحة لتعزيز الرقابة على الحدود وتفعيل آليات حماية حقوق الإنسان داخل السجون.
في ظل هذه المعطيات، تتضح أهمية معالجة الأوضاع الإنسانية في سجن رومية بشكل عاجل، إلى جانب ضبط التوترات الحدودية، لضمان عدم تحويل لبنان إلى مسرح جديد للتصعيد بين مجموعات مسلحة داخلية وخارجية، ولحماية المدنيين من تداعيات أي تصعيد محتمل.