شهدت مدينة اعزاز شمالي حلب، في 17 آب، عملية اغتيال مثيرة للجدل استهدفت القيادي السابق في المعارضة السورية، علاء الدين أيوب المعروف بـ“الفاروق أبو بكر”، أثناء خروجه من جامعة حلب الحرة حيث كان يتابع دراسته في كلية العلوم السياسية.
بحسب ما تناقلته مصادر محلية وشهود عيان، اقترب شخصان يستقلان دراجة نارية من سيارة “الفاروق” وأمطروها بالرصاص، قبل أن يلوذا بالفرار. أصيب أيوب بعدة طلقات مباشرة، وفارق الحياة فور وصوله إلى مشفى اعزاز الوطني، في حادثة أعادت إلى الأذهان سلسلة الاغتيالات الغامضة التي طالت شخصيات عسكرية ومدنية خلال السنوات الماضية في شمال سوريا.
شخصية مثيرة للجدل
“الفاروق أبو بكر” لم يكن مجرد قيادي ميداني عادي. فمنذ بدايات العمل المسلح ضد نظام الأسد، برز اسمه في صفوف فصائل المعارضة بحلب، ثم في قيادة مجموعات منضوية تحت حركة أحرار الشام، قبل أن ينتقل لاحقًا إلى لواء المعتصم، أحد أبرز فصائل “الجيش الحر” المدعومة تركيًا.
لكن شهرته الأوسع جاءت في مفاوضات حلب أواخر 2016، حين لعب دورًا محوريًا في التفاهمات مع روسيا والنظام، التي أفضت إلى خروج آلاف المقاتلين والمدنيين من الأحياء المحاصرة. هذه المرحلة جعلته حاضرًا في الإعلام والسياسة، وأكسبته نفوذًا داخل أوساط المعارضة، لكنه في الوقت نفسه أثار شكوكًا حول علاقاته وتقلباته السياسية.
خلافات واعتقالات
لم تخلُ مسيرة “الفاروق” من صدامات داخلية. ففي نيسان 2024، اعتُقل برفقة القيادي مصطفى سيجري بعد مواجهة مع قائد “لواء المعتصم” معتصم عباس، انتهت بمقتل شقيق الأخير. الاتهامات المتبادلة بين الطرفين شملت الفساد المالي، التنسيق مع “هيئة تحرير الشام”، وحتى محاولة الانقلاب الداخلي.
ورغم إطلاق سراحه مطلع 2025 بكفالة من محكمة “الراعي”، بقيت قضيته محل انقسام واسع بين أنصاره وخصومه. ومنذ خروجه من السجن، ابتعد عن النشاط العسكري وانشغل بالدراسة، وكأنه كان يستعد لمرحلة جديدة، قبل أن تنتهي حياته بشكل مفاجئ.
دلالات الاغتيال
اغتيال شخصية بمكانة “الفاروق” يطرح أسئلة أبعد من مجرد “جريمة جنائية”. فالرجل عرف الكثير من الملفات الحساسة، من مفاوضات حلب إلى خلافات الفصائل وصراعات النفوذ شمالًا. اغتياله قد يكون رسالة تصفية حسابات قديمة، أو إشارة إلى أن هناك من أراد إسكات صوت يحمل أسرار مرحلة دقيقة.
اللافت أن العملية جرت في وضح النهار قرب جامعة تعج بالطلبة، وبطريقة توحي بجرأة المنفذين وثقتهم بالنجاة. استخدام دراجة نارية وسلاح رشاش في قلب اعزاز يشير أيضًا إلى وجود ثغرات أمنية خطيرة، رغم كثافة الحواجز والفصائل المسيطرة.
صراع نفوذ مستمر
إذا وضعنا الحادثة في سياق أوسع، يمكن قراءة الاغتيال كحلقة من مسلسل الصراع على السلطة والموارد في شمال سوريا. فمنذ سنوات، تشهد المنطقة عمليات اغتيال متكررة تستهدف قادة فصائل، شخصيات محلية، أو حتى ناشطين مدنيين، وغالبًا ما تبقى من دون كشف الفاعلين.
هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية لتفسير ما جرى:
- تصفية فصائلية داخلية: بحكم خلافاته السابقة مع “المعتصم” وفصائل أخرى، قد يكون اغتياله استمرارًا لملف لم يُطوَ بالكامل.
- رسالة إقليمية: باعتباره شارك في مفاوضات دولية وملفات حساسة، ربما اعتُبر ورقة يجب التخلص منها.
- فوضى أمنية متصاعدة: حيث يستفيد الفاعلون من غياب سلطة موحدة، لتصفية حسابات شخصية أو سياسية.
مستقبل غامض
يبقى السؤال الأهم: هل سيكشف التحقيق عن الجهة المنفذة فعلًا، أم أن القضية ستضاف إلى قائمة طويلة من الاغتيالات المجهولة في شمال سوريا؟ في ظل انقسام الفصائل وتعدد أجهزة الأمن وتداخل المصالح الإقليمية، يبدو أن الجواب لن يكون قريبًا.
اغتيال “الفاروق أبو بكر” ليس مجرد حادثة محلية، بل مؤشر على هشاشة البنية الأمنية والسياسية في مناطق المعارضة، وعلى أن الصراع لم ينتهِ، بل يتحول إلى أشكال أكثر تعقيدًا، حيث يصبح السلاح وسيلة لتصفية الخلافات بدلًا من المؤسسات أو القضاء.