من جديد، عاد القرار الأممي 2254 إلى واجهة النقاش الدولي حول مستقبل سوريا، بعد أن أعاد مجلس الأمن التذكير به في بيان صدر في 10 آب الجاري، مشددًا على ضرورة عملية سياسية "شاملة وذات مصداقية" يقودها السوريون أنفسهم. هذه العودة المفاجئة للقرار، الذي بقي مجمدًا لسنوات، أثارت تساؤلات حول مغزى استحضاره الآن، خصوصًا في ظل التطورات الأخيرة في السويداء والساحل السوري، وما أعقب سقوط النظام من تحولات سياسية غير مسبوقة.
لماذا عاد القرار إلى الساحة؟
اللافت في البيان الأخير لمجلس الأمن ليس فقط التأكيد على وحدة وسيادة سوريا، بل الدعوة الصريحة إلى عملية سياسية تحمي حقوق جميع السوريين بمختلف انتماءاتهم، وتفتح الطريق أمام صياغة مستقبل يقوم على التعددية والديمقراطية. هذا التذكير بالقرار جاء بعد أشهر من النقاشات الدولية حول جدوى التمسك به، خاصة أنه صيغ في سياق سياسي كان النظام السوري السابق طرفًا رئيسيًا فيه.
لكن سقوط النظام لم يلغِ الحاجة إلى إطار سياسي جامع، بل ربما زادها إلحاحًا. فالفوضى الحالية، وتنامي مخاوف الأقليات، وتنافس القوى المحلية على السلطة، دفعت الأمم المتحدة ودولًا كأمريكا وفرنسا لإعادة إحياء القرار باعتباره المرجعية الوحيدة المتفق عليها دوليًا.
ما الذي يتضمنه القرار 2254؟
صدر القرار في كانون الأول 2015، وكان بمثابة خارطة طريق لانتقال سياسي في سوريا. نصّ على:
- تشكيل حكم انتقالي لا يقوم على الطائفية.
- صياغة دستور جديد خلال ستة أشهر.
- تنظيم انتخابات بإشراف الأمم المتحدة خلال 18 شهرًا.
- وقف شامل لإطلاق النار مرتبط بالعملية السياسية.
- ضمان وصول المساعدات الإنسانية والإفراج عن المعتقلين.
- محاربة التنظيمات الإرهابية كـ"داعش" و"النصرة".
لكن على مدار تسع سنوات، لم يطبق أي من بنوده بسبب رفض النظام السوري السابق وضبابية الموقف الدولي.
موقف الحكومة الحالية
الحكومة الجديدة في دمشق أبدت تحفظًا على القرار، بحجة أنه جاء في سياق تفاوضي مع النظام الذي سقط. وترى أنه يمثل "وصاية دولية" لا تتناسب مع الواقع الجديد. بالمقابل، تعتبر أطراف داخلية، خصوصًا الأقليات، أن القرار ضمانة لمشاركتها السياسية ومنع احتكار السلطة.
هذا الانقسام في النظرة يعكس حجم المعضلة: بين رغبة الحكومة في تثبيت سلطتها بعيدًا عن ضغط خارجي، وبين مطالب داخلية وخارجية ترى أن أي مسار سياسي من دون إطار أممي سيكون هشًا ويفتقر للشرعية.
تحليل التداعيات
من الناحية الواقعية، لا يمكن قراءة إعادة طرح القرار إلا كرسالة ضغط سياسية. فالمجتمع الدولي، وإن كان يدرك أن نص القرار بصيغته الأصلية لم يعد صالحًا بالكامل بعد سقوط النظام، إلا أنه يحتاج إلى مظلة أممية لإدارة المرحلة الانتقالية.
التأكيد على القرار يعكس أيضًا قلقًا متزايدًا من انفلات الأوضاع الأمنية في بعض المناطق، وتخوّفًا من استفراد طرف واحد بالسلطة، وهو ما قد يقود إلى إعادة إنتاج أزمات مشابهة للماضي. وبالتالي، فإن إعادة القرار إلى الواجهة هو محاولة لفرض "توازن سياسي" يمنع أي طرف من الاستئثار الكامل.
لكن التحدي يكمن في التنفيذ. فالمطالبة شيء، والقدرة على فرض التطبيق شيء آخر. لا توجد مؤشرات على استعداد الحكومة لقبول وصاية خارجية، في حين أن الأمم المتحدة تفتقر إلى أدوات ضغط حقيقية سوى التلويح بالفصل السابع، وهو ما يبدو مستبعدًا نظرًا لوجود رغبة دولية بالحفاظ على الاستقرار وتجنب مواجهة مفتوحة.
إلى أين يمكن أن تتجه الأمور؟
السيناريو الأقرب هو أن يُستخدم القرار كإطار مرجعي مرن، لا كوثيقة جامدة. بمعنى أن يجري تعديل أو تحديث بعض بنوده ليتماشى مع الواقع الجديد. التركيز قد ينصبّ على قضايا الدستور والانتخابات، مع ترك هامش واسع للحكومة لترتيب التفاصيل الداخلية.
في المقابل، قد تدفع الأمم المتحدة نحو جدول زمني أكثر وضوحًا لهذه الخطوات، تجنبًا لمزيد من المماطلة، خصوصًا أن استمرار الغموض يفتح الباب أمام تدخلات خارجية أوسع.
عودة القرار 2254 إلى الواجهة ليست مصادفة ولا مجرد تذكير بروتوكولي. إنها إشارة إلى أن المجتمع الدولي لا يريد ترك الملف السوري لمعادلات داخلية غير مستقرة، ولا يريد أيضًا القفز إلى صيغة جديدة من دون غطاء أممي.
لكن السؤال الأهم يبقى: هل تستطيع الأطراف السورية، التعامل مع القرار بمرونة كافية لتحويله إلى أساس لتسوية تاريخية، أم سيتكرر مشهد التعطيل والمراوحة لسنوات أخرى؟
الأرجح أن الأشهر المقبلة ستكشف إن كان القرار سيبقى ورقة ضغط سياسية، أم سيتحول فعلًا إلى بوابة لتوازن جديد في سوريا ما بعد النظام.