السويداء بين التهدئة والتهديدات الطائفية

2025.08.17 - 12:00
Facebook Share
طباعة

 أكد الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أن سياسة الحكومة تجاه محافظة السويداء ترتكز على تهدئة الأوضاع ووقف إطلاق النار، مع التركيز على رعاية صلح اجتماعي بين مختلف المكونات المحلية. جاء ذلك خلال جلسة حوارية عقدت في إدلب بحضور وزراء ووجهاء وأعضاء نقابات، الخميس 14 آب، حيث شدد الشرع على أن حصر السلاح بيد الدولة والحفاظ على وحدة الأراضي السورية “مبادئ غير قابلة للمساومة”.


وأوضح الشرع أن المرحلة الراهنة تهدف إلى عودة النازحين إلى المحافظة، ومحاسبة المتجاوزين من مختلف الأطراف، ومنع أي محاولات للتقسيم أو إقامة كانتونات على أساس طائفي أو مناطقي. ووصف المطالبين بالتقسيم في سوريا بأنهم “حالمون وجهلة سياسيًا”، مؤكّدًا أن 90% من أهالي السويداء مرتبطون بدمشق ووطنهم، وأن الحكومة استقبلت ستة وفود من أبناء المحافظة خلال الأشهر الستة الماضية للاستماع إلى مطالبهم والاطلاع على آرائهم.


وأشار الشرع إلى وجود أطراف محدودة “تمارس الاستفزاز وتؤزم المشهد”، متهمًا إسرائيل بالتدخل المباشر في أحداث السويداء الأخيرة بهدف إضعاف الدولة وإيجاد مبررات للتدخل الخارجي. ورأى أن هذه السياسات “لن تنجح”، مؤكدًا أن إدارة الدولة للأزمة تسير بطرق “غير معتادة ولكنها مبشرة”، ومتوقعًا نتائج “إيجابية” خلال الأيام المقبلة.


ولفت الشرع إلى أن التجاذبات الطائفية بين البدو والدروز ليست جديدة، بل تمتد إلى نحو 150 عامًا، وأن الدولة تتعامل مع هذه الخلافات بحذر لتفادي انفجارها، دون الدخول في حلول “جذرية مستعصية”. وأقر بوجود تجاوزات من مختلف الأطراف، بما في ذلك بعض عناصر الأمن والجيش السوري، مؤكدًا أن العدالة ستأخذ مجراها، ووصف هذا الوضع بأنه “امتحان حقيقي لبناء دولة حديثة”.


وشدد على أن مشاريع التقسيم أو التدخل الإقليمي “غير قابلة للتطبيق” بسبب طبيعة المجتمع السوري وكثافة السكان في الجنوب، محذرًا من أن أي محاولة لفرض تقسيم في سوريا “تهدد استقرار المنطقة بأكملها” ولن تلقَ دعمًا دوليًا بسهولة.


وتأتي تصريحات الشرع في ظل تطورات أمنية متسارعة شهدتها السويداء، حيث تصاعدت التوترات الطائفية وسط تدخلات خارجية أثارت مخاوف من توسع النزاع. ففي السبت 16 آب، شهدت المحافظة مظاهرات حاشدة طالبت بـ”تقرير المصير”، ورفعت أعلامًا إسرائيلية، وسط استمرار دخول المساعدات الإنسانية. كما حملت الشعارات المطالبة بالاستقلال، وهتفت باسم شيخ الطائفة الدرزية حكمت الهجري، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها المحافظة حشودًا بهذا الحجم تطالب بالانفصال عن سوريا.


وسجلت المحافظة حالات انتهاك متبادلة بين الحكومة السورية ومقاتلين من عشائر البدو وفصائل محلية. بدأت الأحداث بعمليات خطف متبادلة بين فصائل محلية وسكان حي المقوس، الذي يسكنه أغلبية من البدو، في 12 تموز، وتطورت إلى اشتباكات متبادلة استدعت تدخل الحكومة. إلا أن التوتر تصاعد بعد استهداف إسرائيل لنقاط حكومية في السويداء ودمشق، لتتبادل الفصائل المحلية مع الحكومة الانتهاكات بحق السكان، ما أثار غضب الأوساط العشائرية وأدى إلى إرسال أرتال إلى السويداء.


وتواجه الحكومة اتهامات بفرض حصار إنساني وعسكري على السويداء، لكنها نفت ذلك، مؤكدة أن إدخال المساعدات مستمر. وتواصلت أمس دخول إمدادات جديدة تشمل الطحين والمحروقات، على الرغم من استمرار المظاهرات المطالبة بـ”الاستقلال”.


وبينما يبقى الوضع هشًا ومعرضًا للتصعيد، يرى مراقبون أن سياسة الحكومة التي تعتمد التهدئة والصلح الاجتماعي تشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرتها على إدارة الخلافات الطائفية والمجتمعية في جنوب سوريا، والحفاظ على وحدة الدولة دون الانزلاق إلى مواجهات عسكرية شاملة. وتظل السويداء اليوم مثالًا حيًا على التحديات التي تواجه دمشق في بناء دولة حديثة، تحمي حقوق جميع مكونات المجتمع وتحقق الأمن والاستقرار في المناطق الحساسة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 3