قسد ودمشق: مناوشات تكشف مسارًا جديدًا محتملًا

سامر الخطيب

2025.08.17 - 11:09
Facebook Share
طباعة

 تشهد سوريا من جديد توترات على خطوط التماس بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بعد أيام من تحركات الأخيرة نحو مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة، ما أعاد النقاش حول أهداف هذه التحركات واحتمالات تصعيد الصراع في الشمال السوري.


تأتي هذه المناوشات المتقطعة في سياق سياسي متوتر، ما يثير تساؤلات واسعة حول مستقبل العلاقة بين الطرفين. فبينما يرى بعض المراقبين أن هذه الاشتباكات مجرد رسائل ضغط محسوبة، يحذر آخرون من احتمال انزلاقها إلى صدام أشمل، مما يجعل التحركات الأخيرة موضع اهتمام استراتيجي داخلي وإقليمي.


اتهامات متبادلة ورسائل سياسية
من جانبها، وصفت دمشق التحركات بأنها "عمل عسكري منظم"، مؤكدة أن "قسد" انتهكت الاتفاقات المبرمة بين الطرفين، وأنها ستتصدى لأي محاولة جديدة للتوسع على أراضيها. وأشارت الحكومة إلى أن دخول مجموعتين من "قسد" إلى نقاط عسكرية في تل ماعز شرقي حلب لم يكن عرضيًا، بل عملية محسوبة تستهدف توسيع النفوذ.


في المقابل، اتهمت "قسد" القوات الحكومية بمحاولات استفزازية في مناطق دير حافر وحلب، وذكرت أن تحليق طائرات مسيَّرة واختراق خطوط التفاهم يمثل انتهاكًا لوقف إطلاق النار وتهديدًا للمدنيين. هذا التبادل المتواصل للاتهامات يعكس التوتر الكامن بين الطرفين والحرص على إرسال رسائل سياسية متبادلة حول القوة والوجود في شمال سوريا.


رسائل مزدوجة واستعراض قوة
يشير محللون إلى أن التحركات الأخيرة لقسد تحمل بعدًا مزدوجًا. أولًا، تهدف إلى إظهار قدرتها على المبادرة وردع أي محاولة لاستغلال انشغالها في مناطقها. ثانيًا، تعتبر اختبارًا مرنًا لقواعد الاشتباك، بما يحدد احتمالات التصعيد في المستقبل.


من منظور دمشق، تهدف الحكومة إلى تثبيت حضورها كرمز للسيادة على كامل الأراضي السورية، بينما تسعى "قسد" إلى حماية مناطق نفوذها ومنع أي تمدد يخل بتوازن القوى. ومع ذلك، يبدو أن الطرفين يدركان كلفة التصعيد الكامل، ما يجعل المواجهة الشاملة احتمالًا بعيدًا، مع بقاء المخاطر قائمة في حال تكرار الحوادث دون وجود آليات لضبط التوتر.


استراتيجيات سياسية وتحركات مدروسة
ويرى بعض الخبراء أن تحركات "قسد" الأخيرة ليست هجومية بحتة، بل تهدف أيضًا إلى تأمين المكتسبات السياسية في الحسكة والمناطق الخاضعة لنفوذها، وتثبيت وجودها أمام الحكومة السورية. فالاشتباكات المحدودة تستخدم أداة ضغط لتحسين وضعها التفاوضي، مع تعزيز قدرتها على فرض شروطها في أي محادثات مستقبلية حول الحكم المحلي واللامركزية السياسية.


من الجانب الآخر، تحرص الحكومة السورية على الحفاظ على التفاهمات السابقة، لكنها لا تتردد في توجيه اللوم لـ"قسد" عند حدوث أي خرق. هذا التوازن الهش بين الطرفين يعكس رغبة كل جانب في الحفاظ على النفوذ دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية واسعة، وهو ما يعزز الطابع التكتيكي لهذه المناوشات.


منظور إستراتيجي أوسع
على الصعيد الإستراتيجي، يبدو أن الخيار العسكري الواسع غير مطروح على الطاولة، سواء محليًا أو إقليميًا، في ظل التداخلات السياسية والمصالح الدولية في سوريا. ومع ذلك، قد تلجأ الأطراف إلى مواجهات محدودة ومتفرقة كوسيلة لإعادة التوازن، وفرض شروطهم على طاولة التفاوض. وفي هذا السياق، تصبح الاشتباكات وسيلة ضغط سياسية أكثر منها صراعًا مفتوحًا، بما يتيح للطرفين إدارة القوة العسكرية إلى جانب المكاسب السياسية.


وبحسب المتابعين، فإن تحركات "قسد" الأخيرة تحمل رسالة واضحة: تعزيز النفوذ وحماية المكاسب، واستغلال أي فرصة لإعادة التفاوض على شروط الحكم المحلي في شمال سوريا. وفي المقابل، فإن الحكومة السورية تعمل على تأكيد سيادتها ومنع أي تجاوزات قد تقوض سلطة الدولة في تلك المناطق.


نحو مرحلة جديدة؟
يبقى السؤال مطروحًا: هل هذه المناوشات مجرد تكتيك عابر، أم مؤشر على تحول إستراتيجي في العلاقة بين دمشق و"قسد"؟ يبدو أن الجواب يعتمد على كيفية إدارة الطرفين للتوتر الحالي، ومدى قدرة كل منهما على استخدام هذه الاشتباكات لتحقيق أهدافه السياسية دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة. ومع بقاء القنوات التفاوضية محدودة، فإن أي تصعيد متكرر قد يؤدي تدريجيًا إلى مستوى أعلى من التوتر، مما سيجعل شمال سوريا ساحة اختبار لاستراتيجيات القوى المحلية والإقليمية في آن واحد.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 5