الساحل السوري بين الحواجز والتقنيات

سامر الخطيب

2025.08.16 - 05:42
Facebook Share
طباعة

 في خطوة مفاجئة على صعيد الأمن الداخلي، أزالت وزارة الداخلية السورية عدداً من الحواجز الأمنية في مدن وقرى الساحل السوري، ما أثار تساؤلات حول دوافع هذا التحرك وتأثيراته على الأمن المحلي وعلاقة المواطنين بالقوى الأمنية. الخطوة شملت محافظتي اللاذقية وطرطوس، مع الإبقاء على بعض الحواجز الاستراتيجية خارج المدن، مثل بانياس وجبلة، في مؤشر على تبني الوزارة استراتيجية مزدوجة تجمع بين المرونة الأمنية والتقنيات الحديثة.


رؤية جديدة للأمن الداخلي
المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، وصف القرار بأنه "جزء من رؤية وطنية قائمة مسبقاً"، وأوضح أن الحواجز كانت ترتكز على ظروف طارئة فرضتها السنوات السابقة، مشيراً إلى أن التغيير يعكس تراكم خبرات الوزارة واعتمادها على وسائل ضبط حديثة أقل احتكاكاً بالمواطنين. التحليل الأول يشير إلى أن هذه الخطوة لا تأتي فقط لتخفيف الاحتكاك بين عنصر الأمن والمواطن، بل تهدف أيضاً إلى تعزيز الثقة المجتمعية تجاه أجهزة الدولة بعد سنوات من الأزمات والانقسامات المحلية.


يبدو أن الوزارة تريد إرسال رسالة مزدوجة: أولاً، أن الأمن ليس مجرد حواجز ومراقبة، بل منظومة متكاملة تعتمد على المعلومات والتقنيات الحديثة، وثانياً، أن المواطن شريك أساسي في ضبط الأمن، ما يعكس رغبة في إعادة بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع المحلي في الساحل السوري.


الهجمات المتفرقة وضرورة التوازن
الخطوة الأمنية تأتي في وقت لا تزال فيه بعض المناطق تشهد هجمات متفرقة من فلول النظام المخلوع، خاصة في ريف اللاذقية، حيث أشار بيان لوزارة الدفاع إلى تصاعد الهجمات على مواقع الجيش خلال ثلاثة أيام فقط، دون خسائر بشرية. هذا التوقيت يشير إلى أن القرار ليس مجرد تجميل داخلي، بل جزء من استراتيجية محسوبة لإعادة توزيع الموارد الأمنية وتركيز القوى على مناطق أكثر حساسية، بينما تتيح التكنولوجيا تقليل الاعتماد على الحواجز التقليدية داخل المدن.


تحليل الكواليس يوحي بأن الوزارة تواجه معادلة دقيقة: فهي تسعى لتخفيف الاحتكاك مع المواطنين وكسب رضاهم، في الوقت نفسه، لا تريد أن تبدو ضعيفة أمام التهديدات المتفرقة. لذلك، يمكن تفسير الإبقاء على بعض الحواجز الاستراتيجية خارج المدن على أنه وسيلة لضمان استمرار السيطرة على النقاط الحرجة مع تقليل الحواجز داخل المدن، ما يعزز صورة الدولة الحديثة القادرة على استخدام الذكاء الأمني بدلاً من القوة الفيزيائية فقط.


استثمار الخبرات والتقنيات
تراكم خبرات السنوات الماضية لعب دوراً أساسياً في هذه الخطوة. الحواجز، التي كانت وسيلة أساسية للسيطرة على الوضع خلال سنوات النزاع، أصبحت اليوم أقل فعالية مقارنة بالأساليب التقنية الحديثة مثل المراقبة الذكية، الكاميرات، ونقاط التفتيش المتحركة. هذا التحول يعكس وعي الوزارة بالحاجة إلى تحديث نموذجها الأمني ليتماشى مع التطورات المجتمعية والسياسية، ويقلل من الاحتكاك المباشر مع السكان، ما يسهم في تقليل الاحتجاجات الشعبية ويعزز شرعية الدولة.


إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن
الخطوة تحمل بعداً رمزياً مهماً، فهي رسالة للمواطنين بأن الدولة قادرة على حماية الأمن دون التضييق عليهم، وأن المؤسسات الأمنية تسعى لتكون شريكاً في الحياة اليومية وليس مجرد قوة قمعية. كما أنها قد تساعد في جمع معلومات أفضل من السكان أنفسهم، لأن ثقتهم المتزايدة قد تدفعهم للإبلاغ عن المخاطر والتهديدات بشكل أكثر فعالية.


إزالة الحواجز في الساحل السوري ليست مجرد إجراء إداري عابر، بل هي جزء من استراتيجية أوسع لتعزيز الثقة المجتمعية، تحديث المنظومة الأمنية، ومواجهة تهديدات فلول النظام السابق بمرونة أكبر. التحدي الكبير أمام الوزارة الآن هو الحفاظ على التوازن بين التكنولوجيا والأمان، وبين الشفافية والرقابة، لضمان أن هذه الخطوة تصبح نقطة انطلاق نحو نموذج أمني أكثر تطوراً واستجابة للمتغيرات المحلية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 1