شهدت الأشهر الأخيرة عودة أكثر من 25,000 عراقي من المخيمات الواقعة في شمال شرقي سوريا، وهي المناطق التي تشمل الرقة والحسكة ودير الزور، والتي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد). المخيمات الأساسية التي كانت تؤوي العوائل المرتبطة بتنظيم “الدولة الإسلامية” هي مخيم “الهول” ومخيم “روج”، حيث كانت تحتوي على آلاف العراقيين من بين المقيمين من جنسيات مختلفة.
تأتي هذه العودة ضمن جهود العراق لإعادة مواطنيه إلى أراضيه، في خطوة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتقليل مخاطر التجنيد المتطرف، بعد هزيمة تنظيم “الدولة” ميدانيًا. وأكدت القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم) أن نسبة العراقيين العائدين من المخيمين ارتفعت بنسبة 165% على أساس سنوي، ما اعتُبر تحوّلًا مهمًا في عملية الإخلاء المنظمة، وأسهم في إعادة نحو 80% من العراقيين الذين كانوا يقيمون في مخيم “الهول”، أكبر المخيمات في المنطقة.
العملية لم تقتصر على النقل فقط، بل ترافقت مع جهود أمنية دقيقة، حيث يتم تدقيق الملفات بشكل صارم قبل السماح بالعودة. وأوضح وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، كريم النوري، أن أكثر من 15,000 عراقي عادوا من مخيم “الهول” بعد تدقيق ملفاتهم الأمنية دون تسجيل أي خروق، فيما ينتظر نحو 6,000 آخرين دورهم في العودة قريبًا.
وأشار النوري إلى أن العراق واجه خيارين صعبين، إما ترك هؤلاء الأشخاص تحت رحمة تنظيم “الدولة”، ما قد يجعلهم بمثابة “قنابل مؤجلة”، أو إعادة دمجهم ضمن المجتمع من خلال برامج مدروسة تشمل فرز الضحايا عن المتورطين. وأكد النوري أن العراق اختار الخيار الثاني بشجاعة ومسؤولية، وبالتعاون مع منظمات دولية مثل المنظمة الدولية للهجرة (IOM) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، من خلال مركز التأهيل المجتمعي في مخيم “الجدعة” العراقي.
عملية الإخلاء لا تقتصر على التنسيق العراقي الداخلي، بل يشمل تعاونًا دوليًا واسعًا. فالإدارة الذاتية، وهي الجهة المؤسسية التابعة لقسد في شمال شرقي سوريا، أعلنت إخراج دفعات مستمرة من المخيمين، مع ذروة نشاطها في نيسان الماضي. ويستند هذا التعاون على اتفاق بين بغداد و”قسد”، برعاية التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، لتسريع إعادة العوائل العراقية إلى البلاد.
يأتي الإخلاء ضمن جدول محدد، حيث يتم تسيير رحلتين شهريًا من مخيم “الهول” إلى مخيم “الجدعة” في محافظة نينوى، بعد إتمام التدقيق الأمني، وفق ما صرح به عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، ياسر وتوت. وأوضح أن الهدف من هذه الرحلات هو إنهاء تواجد العوائل العراقية في المخيم بشكل كامل، مع الاستفادة من الدعم الدولي الكبير الذي يبذل لإنهاء المخيمات وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
يُعد مخيم “الهول” أحد أكبر المخيمات في المنطقة، وقد احتوى سابقًا على أكثر من 70,000 شخص من مختلف الجنسيات، بينهم أكثر من 30,000 عراقي. والآن، لا يتجاوز عدد العراقيين المتبقين فيه 10,000 شخص، بعد جهود العودة المكثفة. ويُنظر إلى هذه العملية على أنها خطوة مهمة للحد من احتمالية تجنيد المتطرفين، وإغلاق فصل أساسي من تبعات الهزيمة الميدانية لتنظيم “الدولة”، مع التركيز على إعادة الضحايا والأهالي البريئين إلى المجتمع.
كما تحمل هذه الخطوة أهمية رمزية، إذ تعكس التزام الحكومة العراقية بالعمل على استعادة السيطرة على مواطنيها، وتوفير بيئة آمنة لهم بعد سنوات من النزوح والعيش في ظروف صعبة. ويأتي هذا التحرك ضمن خطة أوسع لإعادة دمج العائدين ضمن المجتمع، من خلال برامج تأهيلية ودعم نفسي وتعليمي، لتسهيل اندماجهم وتقليل المخاطر الأمنية المحتملة.
في المجمل، تُظهر هذه العملية نموذجًا للتنسيق بين الحكومة العراقية والقوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك التحالف الدولي، وتؤكد على أهمية التعامل مع تداعيات النزوح الجماعي بطريقة منظمة وآمنة. ويشكل نجاح هذه الجهود خطوة كبيرة نحو استقرار المنطقة، وإعادة بناء حياة المدنيين العراقيين الذين عاشوا سنوات طويلة تحت ظروف المخيمات، بعيدًا عن أوطانهم وأسرهم.