تشهد محافظة السويداء جنوبي سوريا حالة غليان شعبي غير مسبوقة، تجلت في مظاهرات رفعت شعارات تطالب بالاستقلال وتقرير المصير، وسط حضور لافت لرموز غريبة عن المشهد السوري كالعلم الإسرائيلي، ما أثار جدلاً واسعًا داخل البلاد وخارجها.
في قلب مدينة السويداء، وتحديدًا في ساحة الكرامة، خرجت حشود كبيرة مرددة شعارات ترفض الارتباط بالحكومة السورية وتطالب بانفصال المحافظة بشكل كامل. المظاهرة التي نظمت يوم السبت 16 آب، رفعت إلى جانب رايات الطائفة الدرزية، لافتات تطالب بـ“الاستقلال التام”، في خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها من حيث الحجم والجرأة.
المتظاهرون لم يكتفوا بالمطالبة بالانفصال، بل وجهوا انتقادات حادة للحكومة السورية، معتبرين أنها تمثل “سلطة الإرهاب” و“العيش في دولة التخلف”، بحسب ما كُتب على بعض اللافتات. كما برزت هتافات تحيي شيخ الطائفة حكمت الهجري، في إشارة واضحة إلى الدور الرمزي الذي يلعبه رجال الدين في هذه التحركات.
وبالتوازي، شهدت مدينة شهبا في ريف السويداء مظاهرة أخرى رفعت سقف المطالب، إذ دعا المشاركون إلى فتح ممر إنساني عاجل، وتشكيل لجنة تحقيق دولية، إضافة إلى الإفراج عن المعتقلين وإنهاء ما وصفوه بـ“سلطة الأمر الواقع”. بعض شيوخ العقل انضموا إلى هذه الحشود، مؤكدين مطلب “حق تقرير المصير” بشكل صريح.
هذه المشاهد تأتي في وقت تتواصل فيه المساعدات الإنسانية بالوصول إلى المحافظة. إذ دخلت قافلة تضم 11 شاحنة محملة بالطحين من معبر بصرى الشام، تحت إشراف الهلال الأحمر السوري، وبدعم من برنامج الغذاء العالمي. وبحسب البيانات الرسمية، فقد تم إدخال نحو 450 طنًا من الطحين خلال يومي 15 و16 آب، في إطار استجابة إنسانية تستهدف الجنوب السوري.
ورغم وصول المساعدات، لا يزال التوتر الأمني يخيم على أجواء السويداء. فقد شهدت بعض بلدات الريف الغربي والشمالي تبادلًا لإطلاق النار بين الفصائل المحلية والأمن العام، دون معرفة الجهة التي بدأت الهجوم. كما سُجلت اشتباكات في بلدة نجران، في حين قُتلت امرأة قرب معبر بصرى الشام إثر هجوم استهدف سيارة مدنية، ما زاد من حدة التوتر.
هذه التطورات تعكس مرحلة دقيقة تمر بها السويداء، المحافظة ذات الخصوصية الديموغرافية والسياسية. فالمظاهرات الأخيرة لم تكتف بالمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية أو بالخدمات، بل تجاوزت ذلك إلى طرح مشروع استقلالي يهدد وحدة البلاد. وفي المقابل، يبقى السؤال الأبرز: هل تمثل هذه التحركات تعبيرًا عن موقف شعبي واسع، أم أنها مجرد موجة غضب عابرة سرعان ما ستتراجع أمام تعقيدات الواقع السوري والإقليمي؟
ومع استمرار دخول المساعدات الإنسانية وتواصل التوتر الأمني، تبدو السويداء أمام مفترق طرق حاسم، قد يرسم ملامح جديدة لمستقبلها ضمن الخارطة السورية المضطربة.