في مشهد يعكس عمق الأزمة الإنسانية التي تعصف بمحافظة السويداء، وصلت قافلة مساعدات إغاثية وغذائية تضم 11 شاحنة إلى جسر بلدة نامر بريف درعا، متجهة صوب المحافظة، تحت إشراف الهلال الأحمر العربي السوري، وفق ما أفادت وكالة "سانا" السورية. خطوة تبدو بسيطة على الورق، لكنها تحمل أبعادًا كبيرة في ظل الأزمة المستمرة منذ أسابيع، والتي خلّفت آلاف القتلى والجرحى ونزوح أكثر من 180 ألف شخص.
تأتي هذه القافلة في وقت هش، حيث يسود وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه في 19 يوليو الماضي بعد مواجهات مسلحة بين العشائر والدروز، أجواءً من الترقب والقلق. الاشتباكات الأخيرة أسفرت عن أضرار كبيرة في البنية التحتية والمرافق العامة، وأظهرت هشاشة القدرة المحلية على مواجهة تداعيات النزاعات القبلية المسلحة، فيما شهدت بعض المناطق نزوحًا كثيفًا للسكان نحو مناطق أكثر أمانًا، تاركين خلفهم ممتلكاتهم ومزارعهم.
الهلال الأحمر العربي السوري شدد على ضرورة التنسيق المستمر مع السلطات المحلية لتأمين توزيع المساعدات بشكل عادل ومنظم، مؤكدًا أن جهود الإغاثة لن تقتصر على المواد الغذائية، بل تشمل دعم البنية التحتية والخدمات الأساسية التي تأثرت بشكل كبير بالنزوح الكثيف للسكان.
الصراع في السويداء له أبعاد متعددة؛ فهو ليس مجرد مواجهة مسلحة، بل يعكس توترات تاريخية واجتماعية بين العشائر العربية والدروز، تتداخل فيها مصالح محلية مع تأثيرات خارجية، لا سيما مع تدخلات فصائل مسلحة من خارج المحافظة خلال الأشهر الماضية. ويعد النزاع انعكاسًا لتراكمات اقتصادية واجتماعية عميقة، إذ يعاني سكان المحافظة من ضعف الخدمات العامة وفرص العمل، ما يجعل أي توتر قبلي قابلاً للانفجار بسرعة.
تاريخيًا، مثلت السويداء نموذجًا للتعايش بين مختلف المكونات، لكن تصاعد النزاعات المسلحة في السنوات الأخيرة، إضافة إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية، أدى إلى زعزعة هذا التوازن، ما دفع السلطات إلى الإعلان عن وقف إطلاق النار وبدء محادثات لاحتواء الأزمة.
السكان المحليون استقبلوا القوافل الإغاثية باعتبارها شريان حياة مؤقتًا، لكنهم أكدوا أن المساعدات لا تكفي لمعالجة حجم المعاناة الناتجة عن النزوح والكوارث الاقتصادية. منظمات حقوقية محلية ودولية شددت على ضرورة تعزيز الحماية المدنية وتأمين العودة الآمنة للنازحين، ومراقبة أي انتهاكات جديدة قد تهدد استقرار المنطقة.
وسط هذا الواقع المأساوي، تبرز السويداء كمثال حي على التحديات التي تواجه المحافظات السورية بعد سنوات من النزاعات المسلحة، حيث تصبح كل شاحنة مساعدات أكثر من مجرد مواد غذائية، بل رمزًا لبقاء المجتمعات المحلية على قيد الحياة، ولقدرة الدولة على فرض سيطرتها وضمان الحد الأدنى من الأمن والاستقرار.
من منظور أمني، يظهر النزاع في السويداء كاختبار لقدرة الدولة السورية على ضبط المناطق الهامشية وحماية المدنيين، بعد أن أظهرت الاشتباكات الأخيرة هشاشة الأجهزة الأمنية في منع تصاعد العنف القبلي. الجيش والأجهزة الأمنية ركّزوا على فرض وقف إطلاق النار، لكن استمرار التوترات يشير إلى ضرورة إعادة النظر في استراتيجية إدارة النزاعات المحلية، بما يشمل الحوار المباشر مع شيوخ العشائر والقادة الدروز لضمان استدامة التهدئة.
سياسيًا، يمثل النزاع تحديًا لسياسات الدولة في محافظة السويداء، إذ يبرز انقسامًا داخليًا بين الأطراف المحلية حول آليات التعامل مع العشائر المسلحة، ويعكس تأثيرًا غير مباشر للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية في المناطق النائية. النزاع بين العشائر والدروز له بعد رمزي أيضًا، فهو يعكس شعورًا بالتهديد للهوية المحلية والمصالح التقليدية، ما يجعل أي تدخل خارجي أو محلي حساسًا للغاية.
تفاقم النزوح والكوارث الاقتصادية الضاغطة على السويداء يخلق وضعًا إنسانيًا معقدًا. البنية التحتية متضررة، الخدمات الأساسية محدودة، وأسواق الغذاء والخدمات تعاني من اضطراب مستمر. القوافل الإغاثية، رغم أهميتها، تبقى محدودة مقارنة بحجم الاحتياجات، ما يرفع من أهمية تدخل المنظمات المحلية والدولية لتأمين الغذاء والماء والرعاية الصحية، وكذلك دعم البنية التحتية.
خرائط النزوح وأبرز المناطق المتضررة
وفق المصادر المحلية، فإن النزوح كان كثيفًا من بلدات: صلخد، شهبا، ومعظم قرى الريف الغربي للسويداء، متجهًا نحو مناطق أكثر أمانًا في وسط المحافظة وريف دمشق الجنوبي. السكان نزحوا عمدًا من المناطق القريبة من خطوط التماس بين العشائر المتنازعة، تاركين خلفهم ممتلكاتهم ومزارعهم، ما أدى إلى تعطيل جزء كبير من النشاط الزراعي في المحافظة.
العشائر والأحياء المتضررة
أبرز العشائر المشاركة في النزاع تشمل عشائر السويداء التقليدية مثل عشيرة الموالي والمردة، بالإضافة إلى عشائر عربية أخرى في الريف الشرقي. وقد تأثرت بشكل مباشر بلدات: عرمان، قنوات، والطرشانة، حيث دمرت الاشتباكات بعض البنية التحتية الأساسية والمنازل، وأدى القصف العشوائي إلى نزوح جماعي.
الأبعاد الإنسانية والاجتماعية
الأزمة الإنسانية في السويداء تتجاوز نقص الغذاء والمياه، لتطال الصحة والتعليم والبنية التحتية. مستشفيات المحافظة تعمل بطاقة محدودة، والكوادر الطبية تواجه ضغطًا هائلًا نتيجة الإصابات المتزايدة. الأسواق المحلية تعاني من نقص في المواد الأساسية، فيما زاد النزوح من حدة الأزمة السكنية، إذ لجأ النازحون إلى المدارس والمراكز الاجتماعية كملاجئ مؤقتة.
في هذا السياق، تبدو القوافل الإغاثية أكثر من مجرد شحنات مواد غذائية؛ فهي اختبار لجدية الدولة في إدارة الأزمات المحلية، وقدرتها على الحفاظ على التوازن بين ضبط الأمن وتقديم الدعم الإنساني، لتبقى السويداء نموذجًا حيويًا لمواجهة التحديات المركبة بعد سنوات من النزاعات المستمرة في سوريا.
التوقعات المستقبلية
إذا استمر وقف إطلاق النار، فإن التركيز سيصبح على معالجة آثار النزوح وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، إضافة إلى تحريك الحوار الاجتماعي والسياسي بين الأطراف المحلية. أما في حال تفاقم النزاع، فإن المحافظة قد تشهد موجة نزوح جديدة وتأزمًا أمنيًا أوسع، ما يتطلب استجابة عاجلة ومستمرة من الدولة والمنظمات الإنسانية.