السويداء: دعوة للصلح بين العشائر وتحذير من انهيار السلم الأهلي

2025.08.16 - 11:04
Facebook Share
طباعة

في مشهد يعكس هشاشة الوضع الاجتماعي والسياسي في الجنوب السوري، وجّه محافظ السويداء، مصطفى البكور، دعوة صريحة إلى المصالحة بين العشائر والفعاليات الدرزية، مؤكدًا أن السلم الأهلي في المحافظة لم يعد "خيارًا"، بل أصبح "ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل".

البكور شدّد، في بيان رسمي نشرته المحافظة عبر قناتها على "تلغرام"، على أهمية "إصلاح ذات البين وتأليف القلوب"، محذرًا من خطورة الانقسامات التي تهدد وحدة النسيج الاجتماعي في السويداء، التي شهدت في يوليو الماضي مواجهات دامية استمرت أسبوعًا كاملًا بين مقاتلين من العشائر البدوية ومسلحين محليين من الطائفة الدرزية. تلك الاشتباكات انتهت بتدخل قوات الأمن الحكومية، لكنها خلّفت أثرًا عميقًا من القلق والانقسام.

وساطة العقلاء وقلق من الفراغ الأمني

محافظ السويداء لم يكتف بالدعوة العامة، بل أشار إلى دور الوجهاء والعقلاء في إعادة اللحمة الاجتماعية، مثنيًا على المبادرات التي تسعى لاحتواء الأزمة بعيدًا عن "الاعتبارات الضيقة". الدعوة جاءت في ظل حالة هشة من وقف إطلاق النار المعلن منذ 19 يوليو الماضي، والذي نجح حتى الآن في تهدئة الساحة، لكنه لم يبدد المخاوف من تجدد العنف.

مصادر محلية تتحدث عن نزوح نحو 200 ألف شخص خلال أسابيع الاشتباكات، وفق تقديرات أممية، بينما تشير تقارير ميدانية إلى سقوط مئات القتلى والجرحى، ما جعل المحافظة على حافة أزمة إنسانية وأمنية متصاعدة.

من احتجاجات إلى نزاع مسلح

تاريخيًا، بقيت السويداء على هامش النزاع السوري الأوسع، حيث حاولت الحفاظ على نوع من الحياد النسبي. لكن السنوات الأخيرة شهدت تصاعد التوتر بين العشائر البدوية والسكان الدروز على خلفيات اقتصادية وأمنية، زادتها هشاشة وضعف الدولة في الجنوب السوري.


الأحداث الأخيرة مثّلت تحولًا خطيرًا، إذ تجاوزت الاحتجاجات التقليدية لتصل إلى مواجهات مسلحة واسعة، ما كشف عمق الشرخ الاجتماعي واحتمال استغلاله من أطراف إقليمية أو محلية لزيادة النفوذ في المنطقة.

الرسائل الرسمية بين التحذير والطمأنة

بيان البكور، وإن حمل لغة تصالحية، عكس في الوقت نفسه قلقًا رسميًا من انزلاق المحافظة مجددًا نحو الفوضى. فالتأكيد على "ضرورة السلم الأهلي" يعكس إدراك السلطات أن أي انهيار أمني جديد في السويداء قد يفتح جبهة إضافية في بلد مثقل بالصراعات.

ما وراء دعوة الصلح

الدعوة التي وجّهها البكور للصلح بين العشائر وأهالي المحافظة، تتجاوز كونها مجرد نداء محلي لحفظ الأمن، لتشكّل مؤشرًا مهمًا على استراتيجية النظام السوري في إدارة الأزمات الداخلية في المناطق الطرفية. ففي الوقت الذي تبدو فيه السويداء بعيدة نسبيًا عن خطوط المواجهة الأساسية، إلا أن الصراع الأخير كشف هشاشة السيطرة المركزية وعمق الانقسامات الاجتماعية التي يمكن أن تُستغل سياسيًا.

أولًا، تأكيد البكور على السلم الأهلي كضرورة وطنية يشير إلى إدراك دمشق أن أي فراغ أمني في الجنوب قد يتحوّل إلى تهديد أوسع، سواء من خلال انتشار السلاح غير الشرعي أو تدخل فصائل مسلحة خارجية. ثانيًا، تركيز البيان على دور الوجهاء والعقلاء يعكس استراتيجية دمشق التقليدية: الاعتماد على شبكات محلية لعقد الصلح وتهدئة النزاعات، بدلًا من الحل الأمني المباشر الذي قد يزيد الاحتقان.

ثالثًا، تأتي هذه الدعوة في سياق تأمين الجنوب السوري كمنطقة استراتيجية، إذ تعتبر السويداء جسرًا جغرافيًا بين دمشق ودرعا وريف حوران، وأي اضطراب فيها قد يفتح الباب أمام تمدد نفوذ فصائل مسلحة أو تحركات غير محسوبة قد تهدد استقرار العاصمة والمناطق المحيطة.

بينما الوقف الحالي لإطلاق النار قدم تهدئة مؤقتة، يبقى السؤال الأهم: هل المبادرات المحلية كافية لمنع تجدد الصراع؟ التجارب السابقة في سوريا تُظهر أن الصلح العشائري يحتاج لدعم طويل الأمد، يشمل إعادة إعمار المناطق المتضررة، معالجة النزوح، وضمان توزيع عادل للموارد، وهو ما يتطلب من دمشق تنسيقًا دقيقًا بين السلطات المركزية والعشائر المحلية.


دعوة البكور ليست مجرد بيان شعوري، بل تحرك استراتيجي للنظام لتثبيت وجوده الاجتماعي والسياسي في السويداء، وتحويل أي نزاع محلي إلى فرصة لتعزيز نفوذه وفرض قواعده في مناطق خارج العاصمة، دون الدخول في مواجهة مباشرة قد تكلفه استنزافًا أمنيًا إضافيًا.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 3