«أزمة فيديو المتحف الكبير».. صدام الإبداع والسلطة في مصر

وكالة أنباء آسيا – تقرير خاص

2025.08.16 - 10:42
Facebook Share
طباعة

في مشهد أثار جدلاً واسعًا داخل مصر وخارجها، تحوّل مقطع دعائي غير رسمي لافتتاح المتحف المصري الكبير إلى قضية رأي عام، بعدما أوقفت السلطات صاحبه الشاب عبدالرحمن خالد قبل أن تخلي سبيله لاحقًا. الفيديو، الذي أُنتج باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وضمّ شخصيات عالمية مثل ليونيل ميسي ومحمد صلاح، كان الهدف منه – بحسب صاحبه – الترويج للمتحف وإبراز قيمته عالميًا، لكنه وُوجه ببلاغ رسمي من وزارة السياحة والآثار اعتبره "محتوى مضللاً وانتهاكًا للملكية الفكرية".


الفيديو الذي صممه عبدالرحمن خالد بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي حمل لمسة عالمية لافتة؛ إذ مزج بين لقطات متخيّلة لافتتاح المتحف المصري الكبير ومشاهد لشخصيات رياضية وفنية بارزة مثل ليونيل ميسي ومحمد صلاح، إلى جانب ظهور بصري رمزي لأيقونات حضارية من التراث المصري القديم.
جاءت الرسالة التي أراد المقطع إيصالها بسيطة ومباشرة: المتحف ليس مجرد صرح أثري، بل مشروع حضاري عالمي يعكس ريادة مصر الثقافية، ما جعله أقرب إلى حملة دعائية غير رسمية تركز على الانبهار والانتشار الدولي أكثر من الالتزام بالقوالب الرسمية التقليدية.


بحسب ما نشرته عدة وسائل مصرية، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عبدالرحمن خالد عقب تقديم الوزارة بلاغًا ضده. وقد واجه الشاب اتهامات تتعلق بتضليل الرأي العام واستخدام صور ومواد غير مرخصة، غير أنه أكد في تحقيقات النيابة أن هدفه كان "الترويج لمصر بدافع شخصي ووطني"، وليس إنتاج إعلان تجاري رسمي.

وزارة السياحة بدورها شددت، في بيان رسمي، على أن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن إنتاج المواد الدعائية الخاصة بالاحتفالية المقررة في الأول من نوفمبر المقبل، محذّرة الجمهور من تداول مواد غير رسمية. لكن اللافت أن الوزارة عادت لاحقًا وتنازلت عن البلاغ، لتتمكن النيابة من إخلاء سبيل خالد.

ارتدادات سياسية وانتقادات برلمانية

لم تقف الأزمة عند حدودها القانونية، بل تحولت إلى ملف سياسي داخل البرلمان. فقد وجّه النائب أحمد بلال البرلسي سؤالاً برلمانياً إلى الحكومة، معتبراً أن التعامل الرسمي مع الشاب "يناقض روح الابتكار الشبابي". وأكد أن إنتاج الفيديو – رغم كونه غير رسمي – يعكس مبادرة وطنية مجانية كان من الممكن البناء عليها بدلاً من قمعها.

تصريحاته أعادت إلى السطح نقاشًا أوسع حول إهدار الطاقات الإبداعية للشباب في مقابل الاعتماد على حملات دعائية مكلفة، يرى بعض المراقبين أنها "تفتقر إلى الروح الابتكارية".

 

كما أثارت واقعة اعتقال عبدالرحمن خالد حالة تضامن واسعة بين إعلاميين وصحفيين مصريين، اعتبروا أن تعامل الدولة مع الفيديو يعكس "انفصالاً عن روح العصر"، في وقت أصبحت فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي أداة متاحة للشباب للتعبير عن أفكارهم الإبداعية. بعض الإعلاميين وصفوا الفيديو بأنه أكثر جاذبية من الحملات الدعائية الرسمية، ورأوا في صاحبه نموذجًا لطاقات شبابية تستحق الاحتواء لا الملاحقة.


على مواقع التواصل الاجتماعي، تحوّل اسم عبدالرحمن خالد إلى وسم متداول خلال الساعات التي أعقبت القبض عليه. مئات التغريدات والمنشورات اعتبرت أن ما قام به الشاب يعكس "غيرة وطنية ورغبة في خدمة بلده"، وانتقدت ما وصفته بـ"البيروقراطية المفرطة" في التعامل مع المبادرات الفردية. مستخدمون آخرون طالبوا بإشراك عبد الرحمن في الحملة الرسمية، معتبرين أن إبداعه "دعاية مجانية" لصالح مصر، فيما ذهب آخرون إلى اعتباره رمزًا لجيل جديد يرى في التكنولوجيا وسيلة لرفع صورة بلاده عالميًا.


وكانت وزارة السياحة والآثار قد تنازلت رسميًا عن البلاغ المقدم ضد عبدالرحمن خالد، الأمر الذي دفع النيابة العامة إلى الإفراج عنه بعد التحقيقات، مكتفية بضمان محل إقامته دون توجيه اتهامات مباشرة. وجاء هذا القرار في ظل موجة تضامن واسعة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، حيث اعتبر كثيرون أن ما قام به الشاب يعبّر عن مبادرة إبداعية وطنية لا تستحق العقاب.

وعقب خروجه، وجّه عبدالرحمن رسالة شكر لكل من وقف إلى جانبه خلال أزمته، مؤكّدًا أن حلمه الأكبر يبقى المشاركة في احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير. أما شقيقه محمد، فدعا الدولة إلى الاستثمار في طاقات الشباب بدلاً من ملاحقتهم، قائلاً إن عبد الرحمن "عاشق للعمل السياحي ويحلم بخدمة بلده بعيدًا عن أي مصالح شخصية".

المتحف المصري الكبير ورمز المعركة الدعائية

المتحف المصري الكبير، الذي يستعد لافتتاح رسمي ضخم في نوفمبر المقبل بعد سنوات من التأجيل، يُنظر إليه باعتباره أكبر مشروع ثقافي وسياحي في مصر خلال العقود الأخيرة. وتحرص الدولة على أن يظهر الحدث في صورة "مهيبة" تليق بحجم المشروع، ما يفسّر تشددها تجاه أي محاولات دعائية موازية قد تربك السردية الرسمية.

غير أن هذه القضية تكشف في الوقت ذاته الفجوة بين خيال الشباب وتصورات المؤسسات الرسمية. فبينما يسعى جيل جديد لتوظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الترويج لمصر بأساليب مبتكرة، ما زالت الأجهزة الحكومية متمسكة بالنهج التقليدي والاحتكار المؤسسي.

صدام الإبداع والسلطة

تطرح أزمة عبدالرحمن خالد أسئلة أوسع عن حرية الإبداع في مصر، وعن مدى استعداد الدولة لتقبّل المبادرات الفردية التي قد تُسهم في دعم صورتها عالميًا. فهل كان الفيديو فعلاً تهديدًا للمحتوى الرسمي، أم فرصة ضائعة لتوظيف طاقات شبابية في حدث وطني تاريخي؟

إنها معضلة تتجاوز شابًا واحدًا، لتصبح اختبارًا لطريقة إدارة العلاقة بين السلطة والإبداع، بين الرسائل الرسمية وصوت الشارع الرقمي.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 1