خيّب اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين التوقعات، إذ انتهى من دون اتفاق ينهي الحرب في أوكرانيا أو يضع إطارًا واضحًا لتسوية سياسية. ورغم محاولات كلا الزعيمين إظهار أجواء إيجابية، فإن غياب أي نتائج ملموسة ترك الساحة مفتوحة أمام التساؤلات: هل كانت القمة مجرد عرض دبلوماسي، أم خطوة أولى نحو مسار تفاوضي أطول؟
اللقاء الذي جرى في قاعدة "إلمندورف-ريتشاردسون" العسكرية بألاسكا استمر ثلاث ساعات، ووصِف من جانب ترامب بأنه "جيد جدًا"، فيما اكتفى بوتين بالتشديد على أن الحوار "ضروري" لاستقرار العلاقات. لكن جوهر الأزمة ظل عالقًا: لا هدنة في أوكرانيا، ولا تفاهمات بشأن العقوبات أو أمن الطاقة.
الرمزية حضرت بقوة أكثر من المضمون؛ فمجرد جلوس ترامب وبوتين على طاولة واحدة بعد قطيعة ثلاث سنوات، منح موسكو دفعة سياسية، بينما حاولت واشنطن تمرير رسالة بأنها منفتحة على الدبلوماسية لكن دون تقديم تنازلات جوهرية.
الاقتصاد في الواجهة: ارتياح حذر في الأسواق
المستثمرون استقبلوا "اللا اتفاق" ببرود محسوب. فغياب أي عقوبات جديدة على قطاع الطاقة الروسي اعتُبر تطورًا مريحًا، انعكس على استقرار نسبي في أسعار النفط وأسهم شركات الطاقة. في المقابل، لم يظهر أثر كبير على المؤشرات الأمريكية أو الأوروبية، إذ يرى المحللون أن التضخم وسلوك المستهلك يظلان المحرك الأهم للأسواق.
أما الذهب، الذي عادة ما يُنظر إليه كملاذ آمن في الأزمات، فقد شهد بعض الضغوط نزولًا، وسط تقييمات بأن التوترات لم تتصاعد، وأن فرصة الشراء ما زالت قائمة للمستثمرين الحذرين.
انعكاس القمة على أسواق الطاقة العالمية
قطاع الطاقة خرج المستفيد الأكبر من غياب التصعيد. أسعار النفط بقيت مستقرة عند مستويات قريبة من 80 دولارًا للبرميل، بعدما توقع بعض المتعاملين احتمال فرض عقوبات جديدة على صادرات روسيا. كما ساعدت أجواء الهدوء النسبي على تهدئة مخاوف السوق الأوروبية من ارتفاعات جديدة في أسعار الغاز مع اقتراب الشتاء.
شركات النفط الكبرى في وول ستريت سجّلت مكاسب طفيفة، بينما أظهرت شركات الغاز الأوروبية ارتياحًا ملحوظًا، إذ فسّر المستثمرون القمة على أنها تعني استمرار تدفق الإمدادات دون قيود إضافية في الوقت الحالي. ومع ذلك، ظل الحذر قائمًا، خصوصًا أن أي انهيار في المفاوضات قد يعيد المخاطر الجيوسياسية بقوة إلى أسواق الطاقة.
كييف سارعت إلى انتقاد القمة، معتبرة أن تجاهل حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "تفريط في أساسيات السلام"، وشددت على أن أي اتفاق لن يكون شرعيًا دون مشاركة أوكرانيا المباشرة.
في أوروبا، صدرت مواقف متباينة؛ برلين رحبت بالحوار باعتباره "أفضل من القطيعة"، لكنها دعت إلى التمسك بالعقوبات حتى انسحاب القوات الروسية. باريس تحدثت عن "خطوة أولى غير كافية"، فيما شددت بروكسل على أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل بأي تسوية تفرض على أوكرانيا من الخارج.
واشنطن توازن وموسكو تعود للمشهد
اللقاء أظهر كيف تحاول واشنطن إعادة رسم دورها العالمي من موقع "الوسيط القوي"، فهي أبقت على خطاب القوة ضد موسكو، لكنها في الوقت ذاته منحت بوتين فرصة للظهور على الساحة الدولية بعد عزلة غربية طويلة.
بالنسبة لروسيا، مجرد عقد القمة كان بمثابة اعتراف أمريكي بمكانتها لاعبًا أساسيًا لا يمكن تجاوزه، بينما مكّن ترامب من تصوير نفسه أمام الداخل الأمريكي على أنه الزعيم الوحيد القادر على التحدث مباشرة مع بوتين وفتح باب محتمل لتسوية.
على الجانب الآخر، أوروبا بدت في موقع المتفرج القلق، تدرك أن أي تفاوض ثنائي بين واشنطن وموسكو قد يتم على حساب مصالحها وأمنها. وهذا يعيد طرح سؤال استراتيجي حول مستقبل التوازن الدولي: هل نحن أمام بداية عودة لنمط "القطبين" التقليدي، أم مجرد جولة بروتوكولية ستتبخر نتائجها سريعًا؟
القمة تُعد الأولى بين الرئيسين منذ عام 2022، وجاءت بعد سنوات من التوتر بسبب الحرب الأوكرانية وتبادل العقوبات. غياب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن المشهد أثار انتقادات واسعة، اعتبرت أن أي تفاوض حول مستقبل الحرب من دونه يفتقد الشرعية السياسية.
مع ذلك، تحدّث بعض الدبلوماسيين عن إمكانية عقد لقاء ثلاثي خلال الأسابيع المقبلة، يضم واشنطن وموسكو وكييف، وهو ما قد يشكّل بداية مسار تفاوضي أكثر جدية.
النتيجة المباشرة: لا اتفاق، ولا انفجار. الأسواق ارتاحت لغياب التصعيد، فيما بقيت الأبواب مواربة أمام جولة جديدة من المفاوضات. وبينما كسب بوتين اعترافًا رمزيًا بعودته إلى الطاولة الدولية، خرج ترامب بفرصة لإبقاء أوراق الضغط بيده في انتظار تحوّل اللحظة القادمة.