وسط تصعيد إسرائيلي مستمر في قطاع غزة، وتوسع حملات الاعتقال في الضفة الغربية، تواجه الفصائل الفلسطينية حالة من الضغط السياسي والعسكري غير المسبوق. اجتماع قيادات الفصائل في القاهرة، الذي ضم قيادة «حماس» وأمناء عامين وقادة بارزين من الفصائل، كشف عن شعور حاد بالخطر تجاه مستقبل المدينة، مع تحذيرات بأن أي إخلاء للقطاع قد يمهد الطريق لمخططات إسرائيلية كبيرة تشمل إقامة مستوطنات ومواقع عسكرية، خصوصاً في شمال غزة ومدينة غزة نفسها.
مصادر فلسطينية مطلعة أفادت بأن بعض القيادات، مثل زياد النخالة الأمين العام للجهاد الإسلامي، شددت على ضرورة الدفع باتجاه اتفاق شامل يحمي حقوق الفلسطينيين ويوقف المخططات الإسرائيلية، ويوازن بين المصالح السياسية وواقع الأرض. في المقابل، أظهرت قاعدة الفصائل والقاعدة الشعبية في غزة مخاوف حقيقية من أن استمرار الأزمة قد يضع المدنيين أمام خيارات صعبة، من تأمين الطعام لأسرهم إلى مواجهة تهديد مباشر على حياتهم ومنازلهم.
على الأرض، استمر التصعيد الإسرائيلي بوتيرة عالية، حيث قتل نحو 20 فلسطينياً منذ فجر الجمعة، بينهم 8 من منتظري المساعدات الإنسانية، نتيجة غارات جوية وقصف مدفعي على مناطق غزة وخان يونس. الجيش الإسرائيلي أصدر أوامر بإخلاء مناطق في حيّي الصبرة والزيتون، مشيراً إليها كمناطق قتال خطيرة، ما يعكس نية السيطرة على المدينة بشكل تدريجي، من دون إعلان رسمي عن عملية الاحتلال.
وفي الضفة الغربية، شملت الاعتقالات عدة فلسطينيين في نابلس وقلقيلية وجنين، بينهم نساء أمهات لأبناء قتلوا سابقاً على يد الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين، كما تصاعدت الهجمات الاستيطانية التي أسفرت عن إصابات وأضرار مادية واسعة للممتلكات الفلسطينية.
وزارة الخارجية الفلسطينية دانت هذه الممارسات، محملة إسرائيل المسؤولية المباشرة، منتقدة ما وصفته بردود فعل دولية ضعيفة لا تتناسب مع حجم المعاناة.
اجتماع القاهرة يعكس محاولة الفصائل تحقيق توازن استراتيجي: حماية المدنيين والحفاظ على الحد الأدنى من البنية الاجتماعية في غزة، في مواجهة تصعيد إسرائيلي واضح، مع الضغط على «حماس» لتكون قادرة على التفاوض بفعالية. الرسائل التي خرجت عن الاجتماع تشير إلى إدراك فلسطيني مزدوج: ضرورة وقف العدوان وحماية السكان، مع الحفاظ على الحد الأدنى من المكاسب السياسية في أي صفقة محتملة، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات مؤقتة بشأن صفقة الأسرى أو السيطرة على بعض المناطق.
بهذا الشكل، تصبح غزة مركزاً لصراع سياسي واستراتيجي معقد، حيث تتقاطع المعارك على الأرض مع المراوغات الدبلوماسية، ويبرز الدور المصري كوسيط رئيسي يحاول تجنيب القطاع تداعيات أكبر، بينما تستعد الفصائل لمواجهة أي خطوة إسرائيلية تهدف لتغيير الواقع الديموغرافي والسياسي للمدينة والقطاع.