هل تهديد قاسم مؤشر لتصعيد حزب الله؟

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.08.15 - 05:00
Facebook Share
طباعة

في خطوة أعادت رسم خطوط التوتر داخل لبنان، أطلق أمين عام ميليشيا حزب الله، نعيم قاسم، خطابًا تصعيديًا من مدينة بعلبك شمال شرق لبنان، توعد فيه بـ"العودة إلى الشارع" و"معركة كربلائية إذا لزم الأمر"، في تهديد مباشر للحكومة اللبنانية وقرارها الأخير بحصر السلاح بيد الدولة.
ما أثار الانتباه ليس مجرد طبيعة التهديد، بل توقيته وارتباطه، بحسب مصادر لبنانية مطلعة، بزيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، إلى بيروت، ما يشير إلى أن الحزب استمد قوة سياسية وربما توجيهًا ضمنيًا من طهران.

تزامن التصعيد مع زيارة لاريجاني:

مصادر محلية أوضحت لـ"إرم نيوز" أن تصريحات قاسم جاءت بعد ساعات من مغادرة لاريجاني بيروت، ما يشير إلى علاقة مباشرة بين اللقاء و"الضوء الأخضر" الذي بدا أن الحزب حصل عليه.
أكدت المصادر أن مضمون تصريحات قاسم يعكس الموقف المتشدد الذي حمله معه المسؤول الإيراني خلال لقاءاته مع كبار المسؤولين اللبنانيين، بما في ذلك الرئيس اللبناني وقيادات الجيش، حيث شدد على أن أي نقاش حول سلاح حزب الله يجب أن يمر أولًا عبر طهران.

كما كشف المسؤولون أن لاريجاني، خلال لقائه العماد جوزيف عون، علق على رفض الأخير للتدخل الإيراني في الشؤون اللبنانية، قائلاً: "تذكّر ذلك، فلا تأتي إلينا لاحقًا وتطلب مساعدتنا مع الحزب"، في إشارة إلى أن الحزب لم يزل تحت مرجعية طهران، وأن أي محاولة لتقييد سلاحه دون التنسيق مع إيران قد تواجه معارضة مباشرة.

خطاب نعيم قاسم.. تصعيد مدعوم؟

تصريحات قاسم تضمنت تهديدًا واضحًا باستخدام القوة، معتبرًا أن أي محاولة الاقتراب من سلاح "المقاومة" تعني "جرّ الجيش اللبناني إلى مواجهة داخلية". هذه اللهجة المتشددة جاءت بعد أسبوع من قرار حكومة نواف سلام تأكيد "وحدانية السلاح"، ما يوضح أن الحزب لا ينوي تقديم تنازلات، وأنه يسعى لترسيخ موقفه كقوة موازية للدولة، مدعومًا بموقف سياسي واضح من طهران.

مصادر لبنانية رأت أن هذا التصعيد لا يقتصر على الداخل، بل يحمل بعدًا إقليميًا، خاصة أن طهران، عبر مستشار المرشد علي أكبر ولايتي، أكدت الأسبوع الماضي معارضتها للقرار اللبناني، معتبرة أن محاولات الدولة لحصر السلاح بيدها هي مشاريع لن تنجح، وأن إرادتها في المنطقة مرتبطة بالحفاظ على "محور المقاومة" بما يشمل لبنان وسوريا والعراق واليمن.

إيران: نفوذ لا يُخفى:

رغم ذلك، نفى وزير خارجية إيران عباس عراقجي أن تكون طهران تنوي التدخل المباشر في لبنان، مشيرًا إلى أن حزب الله مستقل في قراراته، لكن هذا لا يمنع التعبير عن وجهة النظر الإيرانية. لاريجاني نفسه أكد أن "المقاومة الإسلامية" بلغت نضجًا يسمح لها باتخاذ قراراتها، وأن طهران تتعامل معها "بأخوة" دون فرض إرادة مباشرة. هذا التوازن بين دعم الميليشيا وادعاء الاستقلالية يعكس السياسة الإيرانية المعتادة في إدارة نفوذها الإقليمي، حيث تمنح الدعم مع ترك هامش للقرار المحلي، ما يحافظ على صورة الحزب كقوة لبنانية داخلية، رغم الارتباط الواضح بطهران.

السفير الإيراني في لبنان، مجتبى أماني، وصف زيارة لاريجاني بأنها "حققت نجاحًا من كل الجهات"، مؤكداً أن اللقاءات مع القيادات اللبنانية ساعدت في زوال الغموض والمخاوف حول المواقف الإيرانية، وأن الرسائل كانت واضحة وصريحة حول نفوذ طهران ودورها في توجيه السياسات المرتبطة بالمقاومة.

خلفية التوتر اللبناني الداخلي:

الساحة اللبنانية تشهد توترًا متصاعدًا منذ إعلان الحكومة اللبنانية عن قرارها تأكيد "وحدانية السلاح"، في خطوة اعتبرت تهديدًا مباشرًا لطموحات حزب الله في الحفاظ على قدراته العسكرية خارج سلطة الدولة.
تصريحات قاسم، تعكس استراتيجية الحزب في الضغط على الدولة اللبنانية للحفاظ على وضعه القائم، مع إبقاء احتمالات التصعيد العسكري واردة إذا شعر بأن مصالحه تتعرض للخطر.

ويُظهر هذا التراشق أن لبنان، رغم كل محاولات ضبط السلاح داخل الدولة، لا يزال واقعًا تحت تأثير قوى خارجية مباشرة، وأن قرارات الدولة تبقى عرضة للاختبار أمام إرادة ميليشيات مدعومة إقليميًا، ما يعكس هشاشة الدولة اللبنانية في فرض سيادتها على كامل أراضيها وأجهزتها الأمنية.

تصعيد نعيم قاسم ليس مجرد خطاب داخلي، بل رسالة مزدوجة: للشارع اللبناني بأن الحزب مستعد لأي مواجهة، وللطرف الحكومي بأن أي محاولات لتقييد سلاحه لن تمر بسهولة، وبالطبع، رسالة إقليمية تعكس استمرار النفوذ الإيراني في لبنان.
التحدي الأكبر أمام الدولة اللبنانية يبقى كيفية فرض سيادة القانون على جميع الأطراف، وضمان أن تبقى مؤسسات الدولة هي المرجعية الوحيدة لقرارات السلاح والأمن، في ظل واقع يعكس استمرار تأثير المحاور الإقليمية على الصراع الداخلي اللبناني. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 2