القانون على طاولة الصراع السياسي في لبنان

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.08.15 - 03:45
Facebook Share
طباعة

شهدت الساحة اللبنانية خلال الأيام الماضية تبادل رسائل حادة بين حزب "الكتائب" وحزب "الله"، لكن هذه المرة بلغة غير معتادة في الخطاب السياسي التقليدي، إذ أصبح قانون العقوبات اللبناني هو الأداة التي يسعى كل طرف من خلالها لتبرير موقفه وإدانة الآخر. هذا التراشق القانوني يعكس عمق الانقسامات السياسية في لبنان، خاصة في ملف سلاح "حزب الله" الذي يشكل محور الخلاف الداخلي منذ سنوات.

القصة بدأت عندما شدد نائب الأمين العام لـ"حزب الله"، نعيم قاسم، في تصريحات علنية، على أن سلاح المقاومة "خط أحمر" لن يُسلَّم تحت أي ظرف، محذرًا من أن أي مساس به سيقود إلى "الفوضى والفتنة الداخلية".
هذه التصريحات لم تمر مرور الكرام، فكانت بمثابة دعوة مباشرة لكل الأطراف اللبنانية للامتناع عن أي خطوات قد تمس قدرات الحزب العسكرية، وهو ما اعتبره خصومه تهديدًا واضحًا للسلطة الشرعية للدولة.

ردّ رئيس حزب "الكتائب"، النائب سامي الجميل، على خطاب قاسم بطريقة غير تقليدية أيضًا، مستندًا إلى نصوص قانونية محددة. استشهد الجميل بالمادة 329 من قانون العقوبات، التي تجرّم التهديد أو الإكراه لمنع أي لبناني من ممارسة حقوقه، مشيرًا إلى أن تصريحات قاسم تتضمن تهديدًا مباشرًا لممارسة المواطنين حقوقهم السياسية والمدنية.
وأضاف استشهاداً بالمادة 314، التي تصنف الأفعال التي تثير الذعر بين الناس على أنها أفعال إرهابية، والمادة 315 التي تنص على معاقبة الأعمال الإرهابية بالأشغال الشاقة حتى المؤبد، في محاولة لتقديم تصريحه كتحذير قانوني ورسالة سياسية في الوقت نفسه.

وبعد ساعات قليلة، ردّ حزب "الله" على بيان الجميل ببيان رسمي، مستشهداً بدوره بمواد قانونية، وهذه المرة لرد الاتهامات الموجهة إليه.

أشار البيان إلى المادة 274 من قانون العقوبات، التي تعاقب كل لبناني يتواصل مع دولة أجنبية بهدف دفعها لشن العدوان على لبنان أو تزويدها بالوسائل لذلك، مع عقوبة تصل إلى الإعدام إذا أفضى الفعل إلى النتيجة المترتبة.
هذا الرد يعكس محاولة الحزب تقديم نفسه على أنه حامي السيادة الوطنية، فيما يضع الخصوم في خانة التعاون مع دول أجنبية ضد لبنان، وهو ما يزيد من حدة المواجهة السياسية بين الطرفين.

ديناميكيات التراشق القانوني:

استدعاء مواد القانون في هذا السياق السياسي ليس مجرد شكل من أشكال التحذير، بل يحمل دلالات أعمق، فهو يعكس محاولة كل طرف لإضفاء شرعية على موقفه أمام الرأي العام المحلي والدولي، مع تصوير الآخر على أنه خارج على القانون وتهديد للأمن والسلم الأهلي. بهذا المعنى، أصبح القانون أداة سياسية لا تقل أهمية عن الأسلحة الإعلامية أو التحركات الميدانية.

كما يبرز هذا التراشق القانوني توتر العلاقة بين السلطة الشرعية للدولة اللبنانية وبين حزب "الله"، الذي يعتبره البعض قوة موازية للدولة، وهو ما يثير جدلاً دائمًا حول شرعية استخدام السلاح خارج إطار الدولة.
الحزب، من جانبه، يستخدم القانون لإضفاء غطاء شرعي على موقفه، معتبرًا نفسه مقاومًا يحمي لبنان من الاعتداءات الخارجية، بينما يرى خصومه أن هذا التفسير يسمح بتجاوز القوانين الوطنية لصالح أهداف سياسية وإقليمية.

البعد السياسي والإقليمي:

المواجهة بين "الكتائب" و"حزب الله" ليست فقط مسألة داخلية، انما تتقاطع مع قضايا إقليمية ودولية، خصوصاً أن الحزب مرتبط بتحالفات خارجية مع إيران وسوريا، ما يجعل أي تصعيد داخلي يرتبط أيضًا بتحركات خارجية محتملة.
في المقابل، يسعى "الكتائب" لتعزيز شرعية الدولة اللبنانية وقوانينها، مع التأكيد على استقلال القرار الوطني عن أي تأثير خارجي.
هذه الديناميكية تجعل كل خطاب أو بيان قانوني يحمل أكثر من مجرد رسائل محلية، بل يمتد تأثيره إلى التحالفات الإقليمية والدولية للبنان.

ردود الفعل المحلية والدولية:

المشهد القانوني-السياسي أثار اهتمامًا واسعًا داخل الأوساط اللبنانية، حيث رأى بعض المراقبين أن استدعاء مواد قانون العقوبات هو مؤشر على تصاعد حدة الخطاب السياسي، وأنه يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب بين القوى السياسية، خصوصًا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية أو أي مفاوضات لإعادة هيكلة الدولة.

أما على الصعيد الدولي، فإن هذا التراشق القانوني يضع المراقبين أمام سؤال حول قدرة لبنان على الحفاظ على وحدة الدولة ومؤسساتها في ظل وجود قوى مسلحة غير خاضعة للسلطة، وما إذا كان القانون سيظل مجرد أداة في الخطاب السياسي دون أن يتحول إلى وسيلة فعالة لضبط التصرفات على الأرض. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 6