منذ اللحظة الأولى لاشتعال حرب غزة، كان الأزهر الشريف حاضرًا بصوته الواضح ضد الاحتلال، متجاوزًا حدود الموقف الديني التقليدي إلى خطاب سياسي وأخلاقي يصكُّ في الذاكرة. على مدى أشهر النزيف، من بيانات التنديد بالمجازر، إلى الدعوات العاجلة لوقف الحرب، بدا الأزهر كمنبر مقاومة فكرية يذكّر العالم أن ما يحدث ليس صراعًا عابرًا، بل فصل من فصول مشروع توسعي قديم يحمل اسم «إسرائيل الكبرى».
خط زمني لمواقف الأزهر
في الساعات الأولى للحرب، حيّا الأزهر الشعب الفلسطيني المقاوم، معتبرًا أن كفاحه هو دفاع عن هوية أمة بأكملها. ومع تصاعد القصف والحصار، أصدر الإمام الأكبر أحمد الطيب بيانات تنديد بالخروقات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، واعتبر المجازر التي تطال المدنيين والأطفال “خيانة للعهد” و”جريمة كاملة الأركان”.
في مارس، دعا الطيب القادة العرب إلى موقف موحد يحول دون تهجير غزة أو تفريغها من سكانها، محذرًا من أن أي صمت عربي أو إسلامي هو “تفريط في القدس قبل غزة”. وفي يونيو، رفع الأزهر سقف الخطاب، وناشد بوقف فوري وغير مشروط للحرب، رافضًا أي مقايضة على دماء المدنيين.
ورغم الضغوط السياسية التي أدت في يوليو إلى سحب بيان وصف الحصار بأنه “مجاعة جماعية”، بقي الخط العام ثابتًا: دعم الحق الفلسطيني ورفض أي صيغة شرعنة للاحتلال.
من الخريطة إلى الحلم التوسعي
جاءت تصريحات بنيامين نتنياهو عن «إسرائيل الكبرى» كإعلان غير مباشر عن جوهر السياسة الإسرائيلية منذ عقود. لم تكن مجرد جملة استفزازية، بل رسالة إلى الداخل والخارج: الحدود الحالية ليست نهاية المطاف، والهدف يتجاوز الضفة والقدس ليحاكي في أذهانهم خريطة من النيل إلى الفرات.
هذه الأوهام التوسعية ليست جديدة؛ فهي مذكورة في أدبيات الصهيونية الدينية والقومية، ومرسومة أحيانًا على عملات وطوابع قديمة. لكنها حين تخرج من فم رئيس وزراء في زمن حرب وإبادة، تصبح قرعًا لطبول مواجهة أوسع، تتجاوز فلسطين إلى قلب الجغرافيا العربية.
مواجهة فكرية وعقائدية
بيان الأزهر الأخير لم يكتفِ بالإدانة، بل فضح الأساس العقائدي والسياسي لهذه الأطماع، وسمّاها باسمها: “غطرسة واحتلال يسعى لابتلاع ما تبقى من فلسطين والاستيلاء على ثروات المنطقة”. شدد البيان على أن “الحقوق لا تسقط بالتقادم، وما بُني على باطل فهو باطل”، مؤكداً أن المسجد الأقصى وسائر المقدسات “لن تكون لقمة سائغة”.
من الصمت إلى الاعتراض
منذ صدور تصريحات نتنياهو، تعددت الإدانات العربية التي رأت فيها تهديدًا مباشرًا للسيادة الإقليمية. بعض العواصم الغربية عبّرت عن “قلق” دبلوماسي، فيما ذهبت منظمات حقوقية إلى ربط هذه التصريحات بخطر الإبادة في غزة، محذرة من أن الرؤية التوسعية تجعل أي حل سياسي أقرب إلى الوهم.
«إسرائيل الكبرى».. الفكرة التي لم تمت
تاريخيًا، انقسم الخطاب الإسرائيلي بين من يكتفي بضم الأراضي المحتلة 1967، ومن يروّج لخريطة أوسع تشمل أجزاء من دول الجوار. وفي كلتا الحالتين، فإن ما يجري في غزة والضفة هو اختبار عملي لقدرة الاحتلال على فرض واقع جديد، خطوة خطوة، حتى لو بدأ ذلك بممرات أو مستوطنات تبدو صغيرة على الخريطة.
بيان الأزهر الأخير ليس مجرد رد على تصريح؛ هو جزء من معركة أوسع ضد سردية الاحتلال. في مواجهة الدبابات، هناك جبهة أخرى من الكلمات والمواقف، حيث يصبح المسجد الأقصى خطًا أحمر، و”إسرائيل الكبرى” مجرد وهم يتكسر على صخرة الوعي العربي والإسلامي، ما دام هناك منبر يرفع صوته بالحقيقة.