خطة "إي 1" تطيح بحلم الدولة الفلسطينية

أماني إبراهيم- وكالة أنباء آسيا

2025.08.15 - 09:37
Facebook Share
طباعة

في خطوة تُوصف بأنها الأخطر منذ عقود على مسار التسوية، تمضي الحكومة الإسرائيلية نحو تنفيذ مشروع استيطاني واسع في منطقة "إي 1" ، الفاصلة بين القدس الشرقية ومستوطنة معاليه أدوميم، ببناء ما بين 3,000 و3,400 وحدة سكنية.


وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، لم يترك مجالًا للتأويل، حين أعلن أن الخطة "ستدفن فكرة الدولة الفلسطينية" بشكل نهائي، في رد مباشر على تحركات دولية متزايدة للاعتراف بدولة فلسطين.

 

المخطط سيؤدي عمليًا إلى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وتحويل التنقل بين رام الله وبيت لحم إلى مسارات طويلة تحت رقابة عسكرية مشددة، بما يحوّل الضفة إلى جيوب معزولة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.

هذا التغيير الجغرافي لا يستهدف فقط البنية المكانية، بل يضرب في عمق فكرة الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافيًا، وهو ما حذرت منه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بوصفه خرقًا صارخًا للقانون الدولي.

 

من "إي 1" إلى حلم "إسرائيل الكبرى"

تُعدّ منطقة "إي 1" أكثر من مجرد مشروع استيطاني؛ فهي جزء محوري في استراتيجية جغرافية – أيديولوجية تستهدف تكريس سيطرة إسرائيل على القدس الشرقية وربطها بسلسلة من المستوطنات الكبرى شرقًا وغربًا. هذا الربط يحقق عمليًا ما يُعرف في الأوساط الإسرائيلية بـ"الحزام الأمني – الديموغرافي"، الذي يمنع أي تواصل جغرافي فلسطيني حول المدينة ويحول دون جعلها عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية.

 

في العقيدة السياسية لتيارات اليمين القومي والديني، يُمثل المشروع حلقة في رؤية أوسع لـ"إسرائيل الكبرى" تمتد من البحر المتوسط حتى نهر الأردن، مع حسم السيطرة على المواقع المقدسة وفي مقدمتها المسجد الأقصى، تمهيدًا – وفق أدبياتهم – لإقامة "الهيكل الثالث".

 

إقامة الهيكل الثالث ليست في نظر هذه التيارات حدثًا دينيًا فقط، بل هي إعلان عن اكتمال المشروع الصهيوني، وترسيخ "إسرائيل الكبرى" ككيان ديني–سياسي يمتد من البحر إلى النهر.

 

الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل "عوتسما يهوديت" و"الصهيونية الدينية"، ترى أن كل خطوة نحو تهويد القدس أو تعزيز الاستيطان في محيطها هي تمهيد مباشر لهذا الهدف.

 


من الناحية العملية، تُستخدم المشاريع الاستيطانية مثل "إي 1" كأدوات لتغيير المشهد الجغرافي، بحيث تتحول القدس ومحيطها إلى كتلة استيطانية مترابطة تمتد شرقًا حتى معاليه أدوميم وغربًا نحو البحر، مع محاصرة الأحياء الفلسطينية وفصلها عن امتدادها الطبيعي في الضفة الغربية.


هذه الخطوات، في نظر منظّري اليمين الإسرائيلي، تمثل تحصينًا لمستقبل "الدولة اليهودية" ومنعًا لأي سيناريو لتقاسم القدس أو إعادة الأراضي المحتلة ضمن تسوية نهائية.

 

الأخطر أن هذه العقيدة تحظى بدعم تشريعي وحكومي؛ إذ تسعى الكنيست إلى سنّ قوانين تُضفي شرعية داخلية على الضمّ الفعلي، فيما توفر الحكومة الغطاء السياسي والمالي لتنفيذ مخططات البناء والتوسع، متجاهلة الضغوط الدولية أو القرارات الأممية.

 

وقد ظهرت ملامح هذه الرؤية في خرائط عرضها قادة إسرائيليون، مثل خريطة "بلير هاوس" التي تداولتها وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة، حيث يظهر فيها تقسيم الضفة إلى مناطق معزولة وضم القدس ومحيطها بالكامل، مع إبقاء الفلسطينيين في جيوب مكتظة تحت إدارة ذاتية محدودة.

إحياء خطة "إي 1" في هذا التوقيت يعكس مسعى الحكومة اليمينية لفرض واقع سياسي وجغرافي لا يمكن التراجع عنه، بحيث تصبح أي تسوية مستقبلية مشروطة بقبول الفلسطينيين بخريطة مُفرغة من مقومات الدولة، وهو ما يضع حلّ الدولتين على حافة الانهيار الكامل.

 

قطع أوصال الضفة وإلغاء الجغرافيا الفلسطينية

وتنتهج إسرائيل سياسة "الضم التدريجي" للضفة الغربية منذ سنوات، عبر بناء مستوطنات متناثرة تعزل المدن الفلسطينية وتضعف الاقتصاد الوطني الفلسطيني. خطة "إي 1" تُعتبر جزءًا من هذه السياسة، حيث تهدف إلى ربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس الشرقية، مما يعزل المناطق الفلسطينية ويُصعّب إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.

 

هذه الخطوة ليست مجرد توسيع استيطاني، بل محاولة لتغيير معالم الجغرافيا السياسية في المنطقة لصالح إسرائيل، وفصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية، ما يضع المفاوضات السياسية في مأزق جديد.

 

على الرغم من اعتراضات دولية وتهديدات بمقاطعة اقتصادية وسياسية، أُرجئت هذه الخطة عدة مرات، إلا أن الظروف السياسية الحالية قد تُمهد الطريق لتنفيذها.

 

منذ عام 2012، أُوقفت أي مشاريع استيطانية في هذه المنطقة بسبب ضغوط أمريكية وأوروبية مكثفة، إلا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية قررت استئناف هذه المشاريع، مما يثير تساؤلات حول التوقيت والأهداف السياسية وراء ذلك.

 

الحكومة الإسرائيلية الحالية تعتمد على حزب اليمين المتطرف، بما في ذلك وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش، الذين يعتبرون الاستيطان وسيلة لتثبيت السيطرة على الضفة الغربية وتعزيز قاعدة دعمهم الانتخابية. أي تراجع عن المشاريع الاستيطانية سيُعد ضعفًا سياسيًا أمام قواعدهم الشعبية، لذا تُعد هذه الخطط أولوية سياسية لا يمكن التخلي عنها بسهولة.

 

ورغم إدانات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية للتوسع الاستيطاني واعتباره انتهاكًا للقانون الدولي، فإن إسرائيل تستفيد من دعم سياسي واقتصادي من بعض القوى الدولية. لذلك ترى الحكومة الإسرائيلية أن تكلفة المضي قدمًا أقل من كلفة التراجع عن هذه المشاريع، حتى مع تهديدات بالمقاطعة أو الضغوط الدبلوماسية.

 

مواجهة مع المجتمع الدولي

الخطة فجرت موجة إدانات من عواصم غربية بينها لندن وباريس وأوتاوا وكانبيرا، مع تحذيرات علنية من أن المضي فيها قد يدفع هذه الدول للاعتراف الرسمي بفلسطين في الأمم المتحدة، في خطوة من شأنها قلب معادلة التوازن الدبلوماسي في المنطقة.


منظمات السلام الإسرائيلية نفسها، مثل "السلام الآن"، حذرت من أن المشروع "ضمان لجولة جديدة من الدماء"، معتبرة أنه يقطع الطريق على أي مفاوضات مستقبلية.

 

معركة التوقيت

خطة "إي 1" ليست وليدة اللحظة، بل ظلت مجمدة لسنوات تحت ضغط أمريكي وأوروبي، إدراكًا لخطورتها على فرص الحل السياسي. إعادة إحيائها الآن تأتي في سياق سباق إسرائيلي لفرض وقائع ميدانية قبل أي استحقاق تفاوضي، وفي ظل حكومة يمينية تدفع نحو ترسيخ ضمّ القدس الشرقية ومحيطها.

من منظور القانون الدولي، تُعدّ المستوطنات في الأراضي المحتلة انتهاكًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، وهو ما أقرّت به محكمة العدل الدولية وقرارات مجلس الأمن، لكن إسرائيل تتعامل مع هذا الإطار القانوني بوصفه غير مُلزِم أمام أولوياتها الأمنية والسياسية.

 

معركة الخرائط

التغيير الذي ستحدثه هذه الخطة على خرائط الضفة الغربية يُعيد للأذهان مشروعات "الضم الزاحف" التي تُحوّل الكيان الفلسطيني إلى كانتونات معزولة، تمهيدًا لحسم الصراع ديموغرافيًا وجغرافيًا لصالح إسرائيل. وبذلك، لا يُنظر للمشروع كخطوة تطويرية أو عمرانية، بل كأداة استراتيجية لإعادة هندسة الصراع من جذوره.

 

المضي قدمًا في مشاريع مثل "إي 1" يحمل رسائل رمزية قوية على المستوى السياسي والاستراتيجي. فهو يُظهر قدرة إسرائيل على فرض واقع جديد على الأرض، ويعزز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية، حيث تصبح الوقائع على الأرض عاملاً لا يمكن تجاوزه عند صياغة أي اتفاق سياسي. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 7