وسط الأزمات الداخلية المتلاحقة، يبرز سؤال جوهري يجب أن يشغل الرأي العام اللبناني: من هو العدو الحقيقي للبنان اليوم؟
إن غياب مبادرة جامعة لتوحيد اللبنانيين خلف هدف واضح هو تحرير الوطن من كل أشكال الاحتلال والهيمنة، يفتح الباب واسعًا أمام خطابات متناقضة، بعضها يخدم – بوعي أو بغير وعي – أجندات خارجية معادية.
الجيش والمقاومة، رغم اختلاف الأدوار، يشكلان معًا خط الدفاع عن الوطن. لذلك فإن أي تحريض على المؤسسة العسكرية أو أي دعوة لصدام داخلي، لا يخدم إلا خصوم لبنان. إن الحفاظ على التنسيق بين القوى الوطنية والمؤسسات الشرعية، هو صمام أمان في وجه أي مشروع يستهدف تفكيك البلاد.
كما أن للإعلام دورًا مفصليًا، فبدل الانشغال بالمواجهات الكلامية الداخلية، يجب أن يتحول إلى منصة لمواجهة الجهات الممولة والمحرِّضة على الفتنة، وكشف مصادر التمويل السياسي والإعلامي التي تسعى لإشعال الصراعات الداخلية.
والخطاب السياسي الوطني الناجح، في معركة تحرير لبنان، إما أن يضع في الواجهة القيادية شخصيات علمانية تحظى بإجماع وطني مثل إميل لحود أو إلياس جرادي، أو يضع شخصيات من كل مكون لبناني في موقع مخاطبة بيئته: سنيٌّ يحاور جمهوره، ماروني يخاطب الموارنة، ودرزي يتحدث إلى الدروز، بما يعزز الثقة ويكسر الحواجز، ويمنع استغلال الانقسام الطائفي.
علينا أيضًا أن نقرأ المشهد الإقليمي بدقة: فالجهات التي تخلت عن غزة، أو ساهمت في فك حصار اليمن عن إسرائيل بجسر بري، أو أبعدت شخصيات وطنية إلى المنفى، لا يمكن أن تكون حريصة على استقرار لبنان. الربط بين ما يجري في الإقليم وما يُخطط له في الداخل، يساعد على فهم أوسع للمخاطر المحدقة.
وفي حال كان ملف السلاح الوطني مهددًا بأن يتحول إلى فتيل فتنة داخلية، فإن الوجهة الطبيعية يجب أن تكون نحو العدو الخارجي، لا نحو الداخل. مواجهة التهديد على الحدود، حتى وإن كانت صعبة أو مكلفة، تظل أقل كارثية من الانزلاق إلى حرب أهلية تفتح أبواب التدخل الخارجي.
إن استيعاب الشارع اللبناني بمختلف مكوناته، بخطاب عاقل وأداء سياسي مدروس، هو الطريق الوحيد لتجنب الانهيار الأمني والاجتماعي.
فالعدو الذي اغتال قيادات وطنية، وأضعف حضور شخصيات شعبية، وأبعد شخصيات وطنية إلى المنفى، وساهم في تغييب أصوات الاعتدال، هو نفسه الذي يسعى اليوم لإبقاء لبنان في دائرة الانقسام والتوتر.
الجواب على سؤال "من هو عدو لبنان في 2025" لا يحتاج إلى كثير من الجدل: العدو هو كل جهة، داخلية كانت أم خارجية، تعمل على إضعاف الدولة، وتفكيك وحدتها، وإشغال أبنائها ببعضهم بدل توجيه الجهود نحو حماية الوطن من الأخطار الحقيقية.