خلص تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول سوريا، الصادر اليوم الخميس، إلى أن أعمال العنف التي وقعت في منطقة الساحل خلال شهر مارس الماضي كانت منهجية وواسعة النطاق، وارتكبت خلالها انتهاكات يمكن أن تُصنف على أنها جرائم حرب، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وأشار التقرير إلى أن هذه الأحداث أسفرت عن مقتل أكثر من 1700 شخص، معظمهم من الأقلية العلوية، خلال ثلاثة أيام فقط. وقد تمكنت اللجنة الوطنية المكلفة بالتحقيق من توثيق أسماء 1426 من الضحايا، بينهم 90 امرأة، فيما رصدت منظمات حقوقية دولية ومحلية انتهاكات جسيمة شملت القتل الجماعي والتعذيب وسوء المعاملة أثناء دفن الموتى والنهب وحرق المنازل.
وأكدت اللجنة أن أعمال العنف التي ارتكبها أفراد من قوات الحكومة الموقتة وبعض المسلحين المتعاونين معها اتبعت نمطًا منهجيًا ووقعت في مواقع متعددة وواسعة الانتشار. وشددت على أن هذه الأعمال تضمنت "إعدامات ميدانية"، إذ اقتحم المسلحون المنازل وسألوا السكان عن انتماءاتهم الطائفية قبل قتلهم أو تركهم، مع إبقاء الجثث في الشوارع لأيام، أو دفنها في مقابر جماعية غير موثقة.
كما وثق التقرير استخدام بعض المسلحين مقاطع فيديو لإظهار قتل المدنيين بلباس مدني، بعد إذلالهم وضربهم، في محاولة لترويع السكان وإرسال رسائل سياسية وطائفية.
وقد استند التحقيق إلى أكثر من 200 مقابلة مع ضحايا وشهود، إضافة إلى زيارة ثلاثة مواقع لمقابر جماعية، واجتماعات مع مسؤولين محليين، ما أتاح للجنة جمع دلائل قوية على "ارتكاب أفعال ترقى إلى انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، وربما جرائم حرب".
ورغم ذلك، لم تعثر اللجنة على أي دليل على وجود خطة حكومية رسمية لتنفيذ الهجمات، مما يشير إلى أن الانتهاكات كانت نتيجة تحرك أفراد أو مجموعات ضمن القوات الموالية للحكومة الموقتة، وأحيانًا بمساندة مسلحين موالين للحكم السابق.
وحذر رئيس اللجنة باولو سيرجيو بينهيرو من خطورة حجم ووحشية الأحداث، داعيًا السلطات الموقتة إلى ملاحقة جميع الجناة دون تمييز، سواء من حيث الانتماء أو الرتبة العسكرية. وأضاف أن استمرار تلقي اللجنة معلومات عن انتهاكات جديدة، بما في ذلك اعتقالات تعسفية واختطاف نساء، يشكل مؤشر خطر على استقرار المنطقة وعلى حماية المدنيين.
وحثت المفوضة لين ويلشمان السلطات على اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز حماية المجتمعات المتضررة، بما في ذلك فصل الأفراد المشتبه بتورطهم عن الخدمة الفعلية، لحين انتهاء التحقيقات، وتنفيذ توصيات لجنة التحقيق بشكل كامل. كما دعت السلطات إلى الإسراع بإصلاح القضاء لضمان محاكمة عادلة لكل المتهمين، بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وكانت لجنة تقصي الحقائق التي شكلها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع قد أعلنت في 22 يوليو الماضي تحديد هوية 298 شخصًا يشتبه في تورطهم في أعمال العنف، ضمن رقم أولي. وقد أكد التقرير الأممي أن استمرار الإفلات من العقاب قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات الطائفية وزيادة احتمالات تجدد العنف، ما يجعل حماية المدنيين ومحاسبة الجناة أمرًا ذا أولوية قصوى.
يؤكد التقرير أن هذه الانتهاكات تمثل تهديدًا خطيرًا ليس فقط على المجتمعات المحلية في الساحل، بل على الأمن والاستقرار الإقليمي، مما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية التدخل لضمان احترام القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين.