تتصاعد الأنظار نحو بروكسل اليوم الخميس، حيث يناقش أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البلجيكي ملف الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وهي خطوة تراها قوى سياسية وحقوقية داخل البلاد ضرورة لكسر حالة الجمود الدبلوماسي ودعم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. الجلسة المنتظرة تأتي في لحظة سياسية دقيقة، تضع الحكومة الفيدرالية أمام اختبار الانتقال من التصريحات إلى الفعل المؤثر.
مع اقتراب انعقاد اللجنة، يزداد الجدل الداخلي حول ما إذا كانت بلجيكا ستبقى في إطار الإدانة اللفظية، أم ستتخذ موقفاً عملياً يترجم مواقفها السياسية إلى قرارات ملزمة. الدعوات الأخيرة من منظمات حقوقية كبرى عززت الضغط على النواب، وفي مقدمتها ما صدر عن منظمة العفو الدولية يوم الأربعاء، حين طالبت الحكومة وأعضاء مجلس النواب بخطوات عاجلة وملموسة لإجبار إسرائيل على وقف ما تصفه بـ"الإبادة الجماعية" بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وفق ما نقلته إذاعة "أر.تي بي" البلجيكية.
المديرة العامة لفرع المنظمة في بلجيكا الفرنكوفونية، كارين تيبو، وجهت رسالة مباشرة إلى السلطات البلجيكية، قالت فيها: "نحن لا نطالب ببيانات شجب، بل بإجراءات قوية وعاجلة. رسالتنا موجهة لبلجيكا، وللمجتمع الدولي أيضاً، وخاصة لحلفاء إسرائيل، وفي مقدمتهم الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء". كلماتها عكست إصرار المنظمات الحقوقية على تجاوز مرحلة الخطاب الرمزي، نحو خطوات عملية تحمل وزناً سياسياً حقيقياً.
وفي السياق ذاته، رأى الباحث السياسي الفرنسي وأستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية بباريس، فريديريك أنسيل، أن الدعوات لفرض إجراءات عقابية على إسرائيل تعبر عن "اتجاه أوروبي متنامٍ نحو تفعيل أدوات الضغط السياسي والاقتصادي"، مشيراً إلى أن فعالية هذه الإجراءات تبقى مرهونة بمدى تبنيها بشكل جماعي من قبل الاتحاد الأوروبي، لا بشكل منفرد من دولة واحدة.
وحذر أنسيل من أن التحرك البلجيكي، رغم أهميته الرمزية، قد يظل محدود الأثر إذا لم تدعمه خطوات منسقة مع الشركاء الأوروبيين، موضحاً أن القرارات الفردية في السياسة الخارجية غالباً ما يكون تأثيرها محصوراً في الإطار المحلي أو الرمزي. وأضاف أن مثل هذه المواقف "تضع الحكومات الغربية أمام اختبار التوازن بين التزاماتها القانونية الدولية وعلاقاتها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل".
التحرك البلجيكي يأتي في وقت يتزايد فيه الضغط الدولي على الحكومات الأوروبية لإعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل، مع تواصل التقارير الأممية التي توثق أبعاد الكارثة الإنسانية في قطاع غزة. هذه الضغوط تتقاطع مع تصاعد الغضب الشعبي داخل بلجيكا، حيث تزايدت التظاهرات والفعاليات التضامنية مع الفلسطينيين، ما يفرض على صناع القرار النظر إلى الملف من زاوية سياسية داخلية بقدر ما هي خارجية.
الخطوة المنتظرة من البرلمان البلجيكي قد تمثل بداية لتحرك أوسع داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة إذا نجحت في تحفيز دول أخرى على اتخاذ مواقف مماثلة. وفي حال تحقق ذلك، فإن الموقف الأوروبي تجاه إسرائيل قد يشهد تحولاً نوعياً، من مرحلة الإدانة والتنديد، إلى مسار من الإجراءات السياسية والاقتصادية الملموسة.
وفي ظل انقسام الساحة الأوروبية بين من يفضل الحذر الدبلوماسي ومن يدفع باتجاه خطوات جريئة، يبقى السؤال مطروحاً حول قدرة بلجيكا على كسر هذا التوازن التقليدي، وإطلاق دينامية جديدة في السياسة الخارجية الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية. جلسة اليوم في البرلمان قد تكون مجرد بداية لمسار سياسي أطول، أو قد تبقى خطوة رمزية تضاف إلى سجل المواقف البلجيكية السابقة.
لكن المؤكد أن كل كلمة وتصويت في قاعة البرلمان ستكون محل متابعة دقيقة، ليس فقط داخل بلجيكا، بل في عواصم أوروبية وعربية، حيث يترقب الجميع ما إذا كانت بروكسل ستتجاوز الخطاب نحو قرارات تغير ملامح المشهد الدبلوماسي في المنطقة.