تتواصل عمليات إسقاط المساعدات الإنسانية جواً فوق قطاع غزة في ظل الحصار الخانق واستمرار القصف، لكن حجم هذه المساعدات يظل محدوداً للغاية مقارنة بالاحتياج الفعلي، ما يجعلها أقرب إلى دعم رمزي منه إلى حل عملي للأزمة الإنسانية.
وأفاد مراسل (RT) في غزة، اليوم الخميس، بأن طائرات أسقطت مساعدات إنسانية غرب مدينة النصيرات شمال دير البلح وسط القطاع. ووفقاً للبيانات الموثقة، فقد تم بين 26 يوليو و10 أغسطس 2025 إسقاط نحو 1218 طرداً جوياً، أي ما يعادل تقريباً 40.6 شاحنة فقط من المساعدات، بمعدل 2.5 شاحنة يومياً. هذا الرقم لا يمثل سوى 0.4% من إجمالي الاحتياج الفعلي للقطاع، حيث تشير التقديرات الأممية إلى ضرورة دخول ما لا يقل عن 600 شاحنة يومياً لتلبية الاحتياجات الأساسية ومنع اتساع رقعة المجاعة.
الفجوة بين الاحتياج وما يصل فعلياً تعكس خطورة الوضع على الأرض. فالإسقاط الجوي، رغم كونه أداة إنسانية تُستخدم عادة في المناطق التي يصعب الوصول إليها براً، يواجه في غزة تحديات إضافية. أبرز هذه التحديات تتعلق بسلامة وصول المساعدات إلى المدنيين، حيث وقعت عدة حوادث إصابة ووفاة نتيجة سقوط الطرود على مناطق مأهولة أو على أشخاص أثناء محاولتهم التقاطها.
إضافة إلى ذلك، فإن عملية التوزيع بعد الإسقاط لا تخلو من فوضى، إذ غالباً ما تتسابق مجموعات كبيرة للحصول على كميات محدودة، ما يخلق احتكاكات ويزيد من فرص فقدان السيطرة على مسار المساعدات.
أن الاعتماد على الإسقاط الجوي كمصدر أساسي للإغاثة في غزة لا يمكن أن يكون بديلاً عن إدخال المساعدات براً عبر المعابر، خاصة مع تعطل أو تقييد معظم خطوط الإمداد البرية، فالطريق البري يظل أكثر قدرة على تلبية الاحتياجات الضخمة من الغذاء والدواء والوقود، وهو ما تؤكد عليه وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التي تطالب بفتح المعابر بشكل كامل ودائم.
إلى جانب محدودية الكمية، هناك إشكالية تتعلق بالتنوع والنوعية.
فالطرود المسقطة غالباً تحتوي على مواد غذائية معلبة أو جافة ومياه معبأة، لكنها لا توفر الاحتياجات الأخرى كالأدوية المتخصصة أو المستلزمات الطبية الضرورية لعلاج الجرحى والأمراض المزمنة، ولا تساهم في إعادة تشغيل المرافق الصحية المعطلة أو محطات تحلية المياه المدمرة.
الوضع في غزة حالياً يتجاوز مجرد نقص الغذاء إلى أزمة إنسانية شاملة، تشمل انهيار البنية التحتية للمياه والكهرباء والصرف الصحي، وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المعدية وسوء التغذية الحاد، خصوصاً بين الأطفال. وفي ظل هذا الواقع، تبدو عمليات الإسقاط الجوي أقرب إلى مبادرات رمزية تهدف لإظهار التضامن الدولي أكثر من كونها حلاً عملياً.
المطلوب، وفق التحليلات الميدانية، هو الانتقال من الدعم الجزئي إلى خطة إغاثة شاملة تتضمن وقف الأعمال العسكرية، فتح المعابر بشكل مستمر، وضمان وصول الإمدادات بكميات كافية ومنتظمة.
وحتى يتحقق ذلك، ستظل المساعدات المسقطة جواً مجرد نقطة في بحر الاحتياج، لا تكفي لإطفاء نيران المجاعة التي تلتهم حياة الآلاف في القطاع.