تشهد الساحة السورية حراكًا دبلوماسيًا لافتًا مع طرح الولايات المتحدة مبادرة سياسية واقتصادية مشروطة تهدف إلى دعم إعادة إعمار البلاد، مقابل التزام دمشق بتنفيذ إصلاحات داخلية واسعة. المبادرة، التي جرت مناقشتها خلال اجتماعات في العاصمة الأردنية عمّان، تأتي في سياق جهود لتهدئة الأوضاع في مناطق التوتر، خاصة محافظة السويداء جنوب سوريا.
وفق معلومات متداولة، التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم باراك، بوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، حيث تناول الطرفان أحداث العنف الأخيرة في السويداء. وأثمرت المحادثات عن اتفاق لتشكيل فريق عمل مشترك يضم الأردن والولايات المتحدة وسوريا، لمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار في المحافظة والعمل على منع تجدد المواجهات.
المصادر الدبلوماسية تشير إلى أن واشنطن تسعى لتشكيل تحالف دولي تحت مسمى "أصدقاء سوريا"، يهدف إلى توفير الدعم المالي والفني لعملية إعادة الإعمار، بشرط أن تلتزم الحكومة السورية بجملة من الإصلاحات. تشمل هذه الإصلاحات تشكيل حكومة شاملة، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وتقليص نفوذ الجماعات المسلحة الموالية، إضافة إلى إسناد مناصب قيادية لشخصيات تكنوقراط بدلاً من قادة عسكريين سابقين.
من الجانب الأردني، عبّر الملك عبد الله الثاني عن دعم بلاده لجهود الحفاظ على وحدة وأمن وسيادة سوريا، مؤكداً استعداد عمّان لتقديم خبراتها في مجالات مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، وتعزيز التعاون الاقتصادي. وترى القيادة الأردنية أن استقرار سوريا ضروري لتجنب أي مواجهة إقليمية محتملة، خاصة في ظل وجود قوات تركية داخل الأراضي السورية، واحتمال احتكاك مباشر مع إسرائيل.
وبحسب مصادر أردنية، فإن استمرار سيطرة ما وصف بـ"التيارات المتشددة" على القرار السياسي والعسكري في دمشق قد يفتح الباب أمام فقدان السيطرة على الجنوب، وإحياء النزعات الانفصالية في الشرق، وإعادة البلاد إلى أجواء الحرب بالوكالة والتفجيرات.
على الصعيد الأمريكي، تعتبر تهدئة الأوضاع مع الأقليات، وعلى رأسها الدروز في السويداء، إلى جانب تحسين العلاقات مع الأكراد في شمال شرقي سوريا، من المطالب الرئيسية في أي تفاهم مستقبلي. ويتضمن ذلك تسهيل حركة سكان السويداء إلى دمشق دون قيود، وتبني سياسات أكثر شمولية تجاه المكونات المحلية.
التطورات الأخيرة في السويداء، التي شهدت الشهر الماضي مواجهات أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين، زادت من المخاوف بشأن قدرة الحكومة السورية برئاسة أحمد الشرع على بسط نفوذها وتوحيد البلاد في ظل التحديات الأمنية والسياسية.
وترى الإدارة الأمريكية الحالية أن نجاح أي مسار لإعادة الإعمار يرتبط بمدى التزام دمشق بالإصلاحات المطلوبة، مشيرة إلى أن دول الخليج وتركيا والأردن قد تشكل النواة الأساسية لتحالف دعم دولي، إذا توفرت الضمانات السياسية والأمنية اللازمة. وبذلك، يبدو أن مستقبل الدعم الدولي لسوريا سيبقى مرهونًا بخطوات عملية على طريق الإصلاح والانفتاح السياسي.