أثارت مقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قناة i24 جدلاً واسعًا في الأوساط الدبلوماسية والإقليمية بعد حديثه عن ارتباطه بتحقيق "رؤية إسرائيل الكبرى"، وهو المفهوم الذي يشمل فلسطين التاريخية وأجزاء من الأردن ومصر. تأتي هذه التصريحات في وقت حساس يشهد تصاعد التوتر في غزة، وسط استمرار التطورات العسكرية والسياسية في المنطقة، مما يجعل العلاقات المصرية الإسرائيلية عرضة للضغوط والتحديات الجديدة.
ليست هذه المرة الأولى التي تُطرح فيها خرائط "إسرائيل الكبرى"، لكنها المرة التي تأتي فيها على لسان رئيس وزراء إسرائيلي، أمام الكاميرات، وفي لحظة إقليمية ملتهبة. مصر مطالبة اليوم بمزيج من الحزم الدبلوماسي والقوة الشاملة، للحفاظ على سيادتها وأمنها القومي في مواجهة أي طموحات خارج حدود التاريخ والجغرافيا.
جاء حديث نتنياهو، بعد أن أقر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاحتلال قطاع غزة بالكامل. الخطة، التي عرضها رئيس هيئة الأركان إيال زامير، تتضمن السيطرة على مدينة غزة، وتوزيع المساعدات الإنسانية، وإقامة إدارة مدنية بديلة. رغم تحفظات زامير الأولية على المخاطر المحتملة، وافق على الخطوط العريضة للخطة بعد تعديلها. وزير الدفاع يسرائيل كاتس أكد التزامه بتنفيذ أي قرارات تتخذها الحكومة، بما في ذلك هذه الخطة.
التقديرات الميدانية تشير إلى أن أي هجوم برّي موسع قد يؤدي إلى نزوح جماعي يطال عشرات الآلاف من المدنيين، مع تدمير واسع للبنية التحتية الأساسية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمياه والكهرباء. سياسيًا، من المتوقع أن تزيد الضغوط الدولية على تل أبيب، خاصة مع دعوات المجتمع الدولي إلى وقف فوري لأي عمليات واسعة، وتجنب التصعيد غير المحسوب الذي قد يفاقم الأزمة الإنسانية.
ومن المتوقع أن تبدأ القوات الإسرائيلية بهجمات مركزة على مناطق استراتيجية داخل غزة، تشمل نقاط التفتيش والمرافق العسكرية لفصائل المقاومة وبعض البنية التحتية الحيوية التي تعتبرها تل أبيب أهدافًا أمنية. الهدف من هذه المرحلة هو فرض سيطرة جزئية على مناطق محددة، مع تقييم قدرة القوات على التحرك في بيئة حضرية مكتظة دون الانجرار إلى مواجهة شاملة، ومن المتوقع أن تستمر هذه المرحلة لأيام قبل اتخاذ قرارات حول توسيع العمليات.
تصريحات نيتنياهو بشأن "إسرائيل الكبرى"، حتى وإن لم تشر صراحة لمصر، تحمل دلالات خطيرة من حيث الطموحات التوسعية، ما يجعل أي حديث عن حدود مفتوحة أو أحلام توسعية محفوفة بالمخاطر بالنسبة لمصر، ويُحتمل أن يؤدي إلى توترات إضافية على الحدود وفي المجال الدبلوماسي.
حلم "إسرائيل الكبرى"
مفهوم "إسرائيل الكبرى" في الأدبيات الإسرائيلية واليهودية يشمل السيطرة على أراضٍ تتجاوز فلسطين التاريخية لتطال أجزاء من الأردن ومصر، وهو مفهوم مرتبط بطموحات الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي والعمق الجغرافي للدولة العبرية. هذا الحلم التاريخي لم يعد مجرد نظرية خلف الأبواب المغلقة، بل أصبح يُطرح علنًا في وسائل الإعلام، ما يزيد من المخاوف الإقليمية بشأن إعادة رسم خرائط النفوذ والسيطرة في المنطقة.
بالنسبة لمصر، هذه التصريحات تُعيد إلى الأذهان أهمية الثبات على السيادة الوطنية والحدود المعترف بها دوليًا، والتي تم ترسيمها بدقة عبر معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، وتسوية نزاع طابا الحدودي عام 1989 عبر التحكيم الدولي. فعلى الرغم من استمرار قنوات التطبيع على المستوى الدبلوماسي بين مصر وإسرائيل، ترفض القاهرة أي مساس بسيادتها أو حدودها المعترف بها دوليًا.
موقف مصر الثابت في مواجهة الأزمة
ومنذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصريحات استفزازية تتناقض مع الواقع الميداني والإنساني. فقد صرح بأن هدف العملية العسكرية هو "تحرير غزة من حماس"، مؤكدًا أن الجيش الإسرائيلي يسيطر على 75% من القطاع، وأن العملية ستكون "سريعة قدر الإمكان". كما كشف عن خطط لإنشاء "سلطة مدنية" في غزة لا تتبع لا لحماس ولا للسلطة الفلسطينية، بل ترتبط بدولة أخرى لم يسمها، مما يثير تساؤلات حول نوايا إسرائيل في المنطقة.
في المقابل، حافظت مصر على موقفها الثابت والمتزن، مؤكدًة رفضها القاطع لأي مساس بسيادة الأراضي الفلسطينية أو تهجير سكان غزة. فقد وصف وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في تصريحات له خلال زيارة إلى أثينا، رد الفعل الدولي على الأزمة الإنسانية في غزة بـ"المخزي"، وأكد أن مصر ترفض "التهجير القسري" للفلسطينيين.
جهود إفشال مخططات التهجير القسري
ومنذ بداية الحرب، سعت بعض الأطراف الدولية إلى فرض حلول تتضمن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة، بما في ذلك مصر. إلا أن القاهرة رفضت هذه المحاولات بشكل قاطع. ففي مارس 2025، نفت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية بشكل تام المزاعم التي تداولتها بعض وسائل الإعلام حول استعدادها لنقل نصف مليون فلسطيني من غزة بشكل مؤقت.
كما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة رفض بلاده القاطع لتهجير الفلسطينيين، مؤكدًا أن "إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية، هو السبيل الوحيد لإرساء السلام والاستقرار الدائمين في منطقة الشرق الأوسط".
صمام أمان للحقوق الفلسطينية
تتمتع مصر بصبر استراتيجي في التعامل مع الأزمة، متجاوزةً كل الصغائر في إطار مساعدة الشعب الفلسطيني والدفاع المستمر عنه. تصريحات نيتنياهو تمثل اختبارًا لموقف القاهرة الرسمي، الذي يوازن بين الحفاظ على اتفاقيات السلام، والرد بحزم على أي تجاوزات محتملة لأحكام هذه الاتفاقيات. مصر أكدت مرارًا على أن حدودها وسيادتها غير قابلة للنقاش، وأن أي تهديد لأمنها القومي يُعد مساسًا مباشرًا بمعاهدة السلام.
ويشير المحللون إلى أن الموقف الرسمي المصري، حتى لو لم يكن شعبيًا بشكل دائم، يعتمد على آليات دبلوماسية وعسكرية دقيقة للحفاظ على الأمن القومي، ويمثل رادعًا أمام أي أطماع إسرائيلية محتملة. في هذا السياق، من المتوقع أن تطلب القاهرة توضيحات عاجلة من تل أبيب، وتُبلغ واشنطن والأمم المتحدة بموقفها الرافض لأي محاولات تهدف إلى تعديل واقع الحدود أو النفوذ في المنطقة.
تداعيات التصريحات على الأمن القومي المصري
تصريحات نيتنياهو تعكس مخاطر حقيقية على الأمن القومي المصري، إذ تؤكد الحاجة إلى تعزيز المقومات العسكرية والاقتصادية والعلمية، إلى جانب تماسك الدولة داخليًا، لضمان قدرة مصر على الصمود أمام أي محاولات ضغط أو توسيع نفوذ إسرائيلي في المنطقة. كما أن هذا الموقف يتطلب استعدادًا دبلوماسيًا واضحًا لمواجهة أي محاولات إعادة طرح "أحلام إسرائيل الكبرى"، سواء عبر الإعلام أو السياسة الرسمية، بما يضمن حماية مصالح مصر الإقليمية، ويعزز من قدرتها على لعب دور فاعل في أي جهود سلام أو وساطة إقليمية مستقبلية.
تصريحات نيتنياهو لم تعد مجرد تصريحات عابرة، بل تشكل مؤشر خطر يستدعي يقظة مصرية كاملة على المستويين الرسمي والاستراتيجي. في ظل التوتر حول غزة وأهمية التطبيع، لا بد من أن يتعامل الموقف المصري الرسمي بحزم، مع تعزيز القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية، لضمان حماية السيادة الوطنية والأمن القومي، ومنع أي محاولات لإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة بما يتجاوز الحدود المعترف بها دوليًا.
تفاعل عربي واسع على منصات التواصل الاجتماعي
أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول "إسرائيل الكبرى" التي تشمل أجزاء من مصر والأردن، واصفًا نفسه بأنه في "مهمة تاريخية وروحية" لتحقيق هذه الرؤية، موجة واسعة من الغضب والتفاعل على منصات التواصل الاجتماعي في العالم العربي، معبرين عن استنكارهم ورفضهم لهذه الأطماع التوسعية. اعتبر العديد من المدونين أن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس مجرد تعبير عن مشاعر شخصية، بل هو إعلان صريح عن طموحات احتلالية تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها.
أشار آخرون إلى أن هذا التصريح يتماهى مع سياسات إسرائيل على الأرض، لا سيما في ظل استمرار الاستيطان وعمليات الضم في الضفة الغربية. كما اعتبر البعض أن تصريحات نتنياهو تمثل رسالة تهديد مباشرة إلى الدول العربية، و"صفعة" جديدة في وجه رعاة التطبيع ودعاته، وأيضًا لأولئك المطالبين بنزع سلاح المقاومة.
في المقابل، شدد ناشطون على أن تصريحات نتنياهو تمثل رسالة تهديد مباشرة إلى الدول العربية، و"صفعة" جديدة في وجه رعاة التطبيع ودعاته، وأيضًا لأولئك المطالبين بنزع سلاح المقاومة، معتبرين أن نتنياهو كشف بوضوح عن نواياه الاستعمارية، ولم يعد هناك مجال للشك أو التبرير.
تستمر منصات التواصل الاجتماعي في تسجيل موجات متصاعدة من الغضب والاستنكار، بسبب المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق أهالي غزة، وسط دعوات لليقظة وإعادة النظر في سياسات بعض الحكومات العربية تجاه القضية الفلسطينية.