تشهد اليمن اليوم مفترق طرق خطير في مسارها نحو السلام، وسط تعقيدات إقليمية متصاعدة تهدد بتقويض الجهود الدبلوماسية التي بُذلت لعقد هدنة طويلة الأمد في هذا البلد الذي يعاني حرباً مستمرة منذ أكثر من عقد. تؤكد الأمم المتحدة أن الأزمة الإقليمية الأخيرة، خاصة على خلفية الحرب في غزة، أثرت سلباً على مفاوضات السلام، مضيفة أعباء إضافية على بنية تحتية مهترئة بالفعل، وسط تفاقم الاحتياجات الإنسانية في اليمن.
في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، شدد المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، على أن التصعيد العسكري والإقليمي شكل عائقاً كبيراً أمام الوساطة التي تهدف إلى تحقيق تسوية سياسية مستدامة. وأشار إلى أن الغارات الإسرائيلية على مرافق الموانئ في الساحل الغربي لليمن ألحقّت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية، مما فاقم من أزمة الخدمات الأساسية وأثقل كاهل السكان.
غروندبرغ دعا الأطراف جميعها إلى ضرورة وقف الضربات التي تستهدف السفن المدنية في البحر الأحمر، والتي بدورها تؤثر على استقرار المنطقة بأكملها. كما حث على إنهاء الهجمات الصاروخية على إسرائيل والهجمات الإسرائيلية الردية على اليمن، مبرزاً أن استمرار هذا التصعيد لا يخدم سوى زيادة حالة الهشاشة التي تعيشها البلاد.
وقد وصف المبعوث الوضع في اليمن بأنه "هش للغاية"، مشيراً إلى أن الهدنة غير الرسمية التي تمتد لأكثر من عامين تواجه تحديات كبيرة من خلال تصاعد العنف في بعض الجبهات، مثل جبهة العلب في محافظة صعدة التي شهدت هجوماً عنيفاً في يوليو أسفر عن سقوط العديد من القتلى والجرحى من الطرفين. هذا بالإضافة إلى تعزيز جماعة "أنصار الله" مواقعها في مناطق استراتيجية حول مدينة الحديدة، مما يرفع من حدة التوتر ويبرز الحاجة الملحة إلى تهدئة فعالة وحوار أمني جاد.
في هذا السياق، أشار غروندبرغ إلى أهمية دعم خفض التصعيد، مؤكداً على جهود مكتبه التي قامت بجولة اجتماعات مكثفة مع الحكومة اليمنية والأطراف الإقليمية المعنية، والتي جاءت تحت رعاية لجنة التنسيق العسكري التي تيسرها الأمم المتحدة، سعياً إلى تعزيز وقف إطلاق النار على الأرض.
وتأتي الأولوية الثانية ضمن "ثلاث أولويات" وضعها المبعوث للأمم المتحدة، وهي العمل على إرساء مسار سياسي للحوار بين الأطراف المتنازعة، يتماشى مع التزامات خارطة الطريق التي تم الإعلان عنها في ديسمبر 2023. ورغم تباطؤ العملية السياسية بسبب التحولات الإقليمية، أشار إلى وجود زخم إيجابي لتحسين حياة اليمنيين، حيث شهدت بعض المناطق، مثل الطريق بين محافظتي البيضاء وأبين، فتحاً جزئياً يسمح بتسهيل حركة المدنيين والبضائع. كما أشاد بدور منظمات المجتمع المدني في دفع جهود تحسين الوصول والبنية التحتية.
أما الأولوية الثالثة، فتتمثل في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي عبر التعاون مع المجتمع الدولي والمنطقة، خاصة فيما يتعلق بضمانات أمنية على البحر الأحمر. ورحب بغرب الأم المتحدة بالخطوات التي اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن لمواجهة تدهور قيمة العملة، لكنه أكد في الوقت ذاته أن الخطوات الأحادية، مثل إصدار "أنصار الله" عملات نقدية جديدة، تزيد من الانقسامات وتعرقل الجهود السلمية. ودعا إلى حوار شامل يعالج القضايا الاقتصادية والسياسية التي تؤثر على حياة المواطنين اليومية.
يشير كل ذلك إلى أن فرص السلام في اليمن مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقدرة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية على التعاون والتفاوض بحسن نية. ومع استمرار التصعيد الإقليمي الذي يشكل عامل تعقيد متزايد، يبقى المستقبل السياسي لليمن معلقاً بين أمل التهدئة وإعادة الإعمار، أو مزيد من الانقسامات والصراعات التي تهدد حياة الملايين.
أقر المبعوث الأممي أن إحلال السلام في اليمن ليس خياراً بل ضرورة ملحة، ويحتاج إلى إرادة جماعية تدفع نحو حل سياسي شامل ومستدام يحمي المدنيين ويعيد لليمن استقراره، بعيداً عن تبعات النزاعات الإقليمية التي تجرفه إلى دوامة العنف المستمرة.