خلال الأيام الأخيرة، شهدت مناطق سيطرة جماعة الحوثي في محافظتي تعز وذمار توسعاً في حملات الاعتقال التي طالت شخصيات سياسية واجتماعية وتربوية، إلى جانب اختطاف طفلين من أبناء أحد المعلمين المعتقلين في ذمار تأتي هذه الحملة ضمن تصعيد أمني قبيل احتفالات الجماعة بذكرى المولد النبوي، واستعدادات استباقية لقمع أي تحركات شعبية خلال ذكرى الثورة اليمنية.
تتجاوز هذه الحملات الاعتقالية الشكل الأمني، لتشكل جزءاً من استراتيجية الحوثيين التي تهدف إلى تثبيت سيطرتهم على النسيج الاجتماعي والسياسي في المناطق التي يسيطرون عليها.
تعزيز السيطرة الأمنية وتحجيم المعارضة:
محافظة تعز تمثل نقطة محورية في الصراع اليمني، حيث توجد فيها قوى متعددة تعارض الجماعة. لذلك تسعى الجماعة الحوثية إلى تحصين نفوذها عبر اعتقال شخصيات من مختلف القطاعات، بهدف منع أي تنظيم أو احتجاج يمكن أن يؤثر على استقرار سيطرتها. استهداف العمال والباعة وسائقي السيارات الذين يتنقلون بين مناطق الحوثيين والحكومة الشرعية يعد إجراءً لتقييد حركة السكان والرقابة على نشاطاتهم، ما يخلق حالة من الخوف والرهبة.
الإجراءات الأمنية تشمل فرض تعهدات على المعتقلين بعدم التنقل دون موافقة وإبلاغ الحوثيين عن أي تحركات عسكرية، ما يعكس آلية رقابة صارمة تهدف إلى تقليص فرص المعارضة على الأرض.
فرض التوجهات الأيديولوجية عبر التعليم:
تمثل المناهج التعليمية ساحة مهمة في صراع الحوثيين، حيث تسعى الجماعة إلى إدخال مناهج جديدة تعكس توجهاتها الفكرية والسياسية، في محاولة لترسيخ مشروعها بين الأجيال القادمة. رفض العديد من المعلمين لتدريس هذه المناهج أدى إلى حملات اعتقال استهدفتهم، مما يعكس رغبة الجماعة في فرض رؤيتها على التعليم كوسيلة طويلة الأمد لبناء مجتمع يتماشى مع أفكارها.
هذا الصراع في مجال التعليم يؤكد حجم التحديات التي تواجهها الجماعة في محاولة السيطرة ليس فقط على الأرض، بل على الفضاء الفكري والثقافي أيضاً.
استهداف العائلات واستخدام الترهيب:
اختطاف طفلين من أبناء معلم معتقل في ذمار يمثل تصعيداً في استخدام الجماعة أساليب الضغط النفسي والاجتماعي على المعارضين. هذه السياسة تهدف إلى إخراس أصوات الانتقاد وكسر إرادة المعارضين، من خلال التهديد والمضايقات المتكررة على العائلات، مثل الحصار والتهديدات، إضافة إلى فرض رسوم رشوة لاستكمال إجراءات الزيارة أو الإفراج.
التركيز على استهداف العائلات يوضح استراتيجية الحوثيين في زيادة معاناة المواطنين وتثبيت حالة الخوف التي تحكم الحياة اليومية داخل مناطق سيطرتهم.
قمع المجتمع المدني ومنع النشاطات المستقلة:
تعكس حملات الاعتقال الموسعة اتجاه الحوثيين لتصفية أي نشاط مستقل للحقوقيين والناشطين السياسيين، وموظفي الإغاثة، والموظفين في المنظمات الدولية. هذا التوجه يعزز من هيمنة الجماعة على الحياة العامة، ويفقد السكان إمكانية المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية بحرية، ما يجعل من المناطق الخاضعة للحوثيين بيئة مغلقة تسودها سيطرة مطلقة وخوف عام.
السيطرة على كافة أشكال النشاط المدني تعني تحكم الجماعة في مستقبل مجتمعاتها، ومنع أي مقاومة أو تعبير عن رفض لنظامها.
التحكم في الشرعية عبر الاحتفالات الدينية:
تعمل الجماعة الحوثية على تعزيز صورتها الشرعية عبر تنظيم احتفالات دينية بمناسبة المولد النبوي، التي تستخدمها كأداة دعاية سياسية لنشر مشروعها الطائفي. هذه الاحتفالات غالباً ما تثير استياء السكان، الذين يرون فيها استغلالاً دينياً لتكريس السيطرة السياسية، خصوصاً في ظل تدهور الخدمات والأوضاع المعيشية.
الاعتقالات والتضييقات تأتي في سياق خوف الجماعة من أي انتفاضة شعبية أو تراجع في الدعم المجتمعي، ما يجعلها تلجأ إلى استخدام كل الوسائل القمعية لضمان بقائها.
في سياق متصل تعبر حملات الاعتقال الحوثية في تعز وذمار عن صراع معقد يتعدى الساحات العسكرية ليشمل السيطرة السياسية والاجتماعية والفكرية.
الجماعة تستخدم هذه الإجراءات لترسيخ نفوذها، قمع المعارضة، فرض مشروعها الأيديولوجي، وإخضاع المجتمع لأهوائها وسط تحديات متزايدة من الداخل والخارج، هذا الواقع يعكس عمق الأزمة اليمنية وضرورة البحث عن حلول شاملة تضمن أمن واستقرار الشعب اليمني.