تمر تونس في مرحلة اقتصادية دقيقة وسط تحديات مالية متصاعدة، حيث يبدو أن العجز التجاري المتزايد يعكس اختلالات عميقة في ميزان الاقتصاد الوطني، تصاعد هذا العجز خلال النصف الأول من عام 2025 يسلط الضوء على مدى هشاشة البنية الاقتصادية وتأثيرها المحتمل على استقرار البلاد السياسي والاجتماعي في المستقبل القريب.
بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء، اليوم الثلاثاء، شهد العجز التجاري في تونس ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، حيث بلغ حوالي 11.9 مليار دينار تونسي (ما يعادل 4 مليارات دولار)، مقارنةً بما يقارب 9.6 مليار دينار في الفترة نفسها من العام الماضي. هذا النمو في العجز نتج عن تغيرات في حركة التجارة الخارجية، أبرزها تراجع طفيف في الصادرات بنسبة 0.2%، مقابل ارتفاع ملحوظ في الواردات بنسبة 4.7%.
على صعيد الصادرات، بلغت القيمة الإجمالية نحو 37 مليار دينار، في حين وصلت الواردات إلى قرابة 49 مليار دينار، ما أدى إلى انخفاض نسبة تغطية الواردات بالصادرات إلى 75.6%، مقارنة بنسبة 79.4% في 2024.
قطاعياً، سجلت صادرات الفسفات ومشتقاته ارتفاعاً قدره 8.6%، إلى جانب زيادة في صادرات الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 6.5%. في المقابل، شهدت صادرات الطاقة انخفاضاً حاداً بنسبة 34.8%، نتيجة لتراجع مبيعات المواد المكررة، كما تقلصت صادرات المنتجات الفلاحية والغذائية بنسبة 17.5%، خاصة بفعل انخفاض صادرات زيت الزيتون، إضافة إلى تراجع طفيف في صادرات النسيج والملابس والجلد.
أما الواردات، فقد عرفت ارتفاعاً ملحوظاً في مواد التجهيز بنسبة 18.6%، والمواد الأولية ونصف المصنعة بنسبة 6.6%، والمواد الاستهلاكية بنسبة 12.1%. بالمقابل، تراجعت واردات الطاقة بنسبة 14.9% والمواد الغذائية بنسبة 5.1%.
من الناحية الجغرافية، يهيمن الاتحاد الأوروبي على السوق التونسية حيث يمثل 70.6% من الصادرات، مع تسجيل زيادة في الصادرات إلى ألمانيا وفرنسا وهولندا، مقابل تراجع في إيطاليا وإسبانيا. وفيما يتعلق بالواردات، شكلت دول الاتحاد الأوروبي 44.2% من إجمالي الواردات، مع زيادة مشتريات تونس من فرنسا وألمانيا، وتراجع من إيطاليا واليونان وبلجيكا، في حين شهدت واردات تونس ارتفاعاً من الصين وتركيا، وانخفاضاً من روسيا والهند.
يبقى العجز التجاري مركزياً في قطاعات الطاقة (-6.037 مليار دينار)، والمواد الأولية ونصف المصنعة (-3.8 مليار دينار)، ومواد التجهيز (-1.96 مليار دينار)، والمواد الاستهلاكية (-930 مليون دينار)، بينما سجل قطاع المواد الغذائية فائضاً نسبياً بلغ 823 مليون دينار.
هذه الأرقام تعكس تحديات حقيقية تواجه الاقتصاد التونسي، لا سيما في ظل الضغوط المستمرة على العملة الوطنية واحتياطيات النقد الأجنبي، مما قد يؤثر على قدرة البلاد في تمويل وارداتها الأساسية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
لمواجهة هذه التحديات، يتطلب الوضع الاقتصادي في تونس اعتماد سياسات أكثر صرامة لترشيد الواردات وتعزيز الصادرات، خاصة في القطاعات التي أظهرت أداءً إيجابياً مثل الفسفات والصناعات الميكانيكية والكهربائية.
كما ينبغي تنويع الأسواق التصديرية والبحث عن شراكات تجارية جديدة تقلل من الاعتماد الكبير على الاتحاد الأوروبي.
على الصعيد الداخلي، يستدعي الأمر تحسين بيئة الأعمال والاستثمار، وتقديم حوافز للصناعات المحلية لتقليل الاعتماد على السلع المستوردة، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية الصناعية والزراعية لدعم الإنتاج المحلي.
في ظل هذه المعطيات، تبقى المخاطر المالية والاجتماعية جلية، ويحتاج صانعو القرار إلى تبني رؤية متكاملة تستهدف استقرار الميزان التجاري والاقتصاد الوطني ككل، لضمان مستقبل أفضل لتونس في ظل تقلبات الاقتصاد العالمي.