أثار مقطع فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي جدلاً واسعاً بعد أن أظهر ما قيل إنه عملية إعدام ميداني داخل مشفى السويداء الوطني في جنوب سوريا. المقطع، الذي نُشر في العاشر من أغسطس/آب 2025، تضمن مشاهد لمسلحين يقتحمون المشفى ويطلقون النار على شخص يرتدي زي الكوادر الطبية، في حادثة أثارت أسئلة حول سلامة المرافق الصحية وطبيعة الضحية ودور الأطراف المتدخلة.
تسلسل الحادثة وتوقيت التصوير
وفق ما جرى التحقق منه من نسخ أصلية لتسجيلات كاميرات المراقبة، تعود الحادثة إلى 16 يوليو/تموز 2025، أي خلال ذروة التوتر الأمني في المحافظة، وفي فترة تواجد عناصر مسلحة يُعتقد أنها تتبع لوزارتي الدفاع والداخلية السورية. التسجيلات أوضحت أن شخصين على الأقل دخلا المشفى، أحدهما بزي الأمن العام والآخر بملابس عسكرية، قبل تنفيذ عملية إطلاق النار.
هوية الضحية والمعلومات المتداولة
أشارت بيانات محلية إلى أن القتيل يُدعى محمد بحصّاص، وهو مهندس مدني حديث التخرج كان يعمل ضمن فريق الدعم في المشفى لتعويض النقص الحاد في الكوادر الطبية خلال الأحداث. إلا أن روايات أخرى – لم يتم التحقق من صحتها – تحدثت عن احتمال ارتباطه بفصائل مسلحة محلية أو قيامه بأدوار أمنية، وهو ما لم تؤكده أي جهة مستقلة حتى الآن.
تداولت بعض الحسابات صوراً لرجل مسلح قيل إنها تعود للضحية، لكن المقارنة البصرية بين الصور المتداولة وتسجيلات الكاميرات التي أجرتها منصة "تأكد" أوضحت وجود اختلافات في الملامح والبنية الجسدية، ما يشير إلى أن الشخص الظاهر في الصور ليس نفسه.
التسجيلات وملف التحقيق
بحسب مصادر في القطاع الصحي، فإن كاميرات المشفى كانت مرتبطة بأقراص تخزين خارجية تُحفظ في أماكن منفصلة، وتم تسجيل الحادثة كاملة. لاحقاً، انتقلت هذه المواد المصورة إلى حيازة "اللجنة القانونية العليا" التي شكّلتها الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، والتي تولت إدارة الملف وتحديد توقيت نشر الفيديو. حتى الآن، لم تُعرض التسجيلات على الملأ بشكل كامل، ولم يُسمح لمديرية الصحة أو جهات إعلامية بالاطلاع عليها.
كما ارتبطت الحادثة بمقتل موظف في مديرية الصحة، وائل عزام، الذي قيل إنه رفض تسليم مفاتيح وأكواد منظومة الكاميرات لعناصر مسلحة اقتحمت المبنى يوم الواقعة.
موقف الحكومة السورية
وزارة الداخلية أصدرت بياناً أعربت فيه عن "إدانة الحادثة"، مؤكدة أن التحقيق جارٍ وأن المسؤولين عنها سيُحالون للقضاء. كما تم تكليف ضابط رفيع بالإشراف على مجريات التحقيق. وحتى إعداد هذا التقرير، لم توضح الوزارة أو وزارة الدفاع هوية المسلحين الظاهرين في التسجيل أو تبعيتهم.
اللجنة القانونية العليا في السويداء
تشكّلت اللجنة القانونية العليا مطلع أغسطس/آب 2025، على خلفية التصعيد الأمني في السويداء، وضمت قضاة ومحامين محليين، وأسندت إليها مهام إدارية وأمنية وخدمية، بما في ذلك الإشراف على المؤسسات العامة. وبحسب مصادر محلية، تتمتع اللجنة بصلاحيات واسعة وتعمل كسلطة أمر واقع، وسط تقارير عن ارتباط بعض أعضائها أو داعميها بجهات سياسية وأمنية من عهد النظام السوري السابق، إضافة إلى دعم غير معلن من جهات إقليمية.
غياب الحسم في الروايات
حتى اللحظة، لا توجد رواية رسمية مكتملة تحدد بدقة ملابسات مقتل محمد بحصّاص، أو تؤكد انتماءه المهني أو السياسي. تضارب المعلومات بين الجهات المختلفة، إلى جانب محدودية الوصول إلى المواد المصورة، أبقى القضية مفتوحة أمام تكهنات عديدة.
الحادثة، سواء اعتُبرت انتهاكاً صريحاً لحرمة المرافق الطبية أو نتيجة اشتباك مسلح داخل بيئة مشحونة بالتوتر، سلطت الضوء على هشاشة الوضع الأمني في السويداء، وتعقيدات المشهد المحلي الذي تتداخل فيه القوى الرسمية مع سلطات محلية ناشئة.
في ظل غياب نتائج تحقيق شفافة ومعلنة، يظل مصير الملف معلقاً، بانتظار ما قد تكشفه الجهات المعنية من معلومات أو أدلة تحدد طبيعة ما جرى في مشفى السويداء الوطني في ذلك اليوم.