ما يحدث في دارفور اليوم لا يمكن اختزاله في عناوين الأخبار أو نشرات المساء نحن أمام مأساة إنسانية مكتملة الأركان، حيث أصبح استهداف المدنيين سياسة واقعية، والحصار أداة لفرض السيطرة، والتجويع وسيلة لإخماد أي صوت.
قوات الدعم السريع تحولت إلى قوة مسلحة تمارس الانتهاكات بلا رادع، وسط عجز محلي وتخاذل دولي يثير الغضب والأسى.
في مدن الإقليم ومخيمات النزوح، تتكرر المشاهد المروعة: منازل تحترق على رؤوس ساكنيها، أسر تُقتلع من جذورها، نساء يتعرضن للعنف بأبشع أشكاله، وأطفال يواجهون الموت البطيء نتيجة الجوع والمرض. منظمات حقوقية مستقلة وثقت هذه الجرائم بالصوت والصورة، مؤكدة أن ما يجري يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
الحصار المفروض على مناطق واسعة من دارفور جعل الحياة اليومية أقرب إلى سباق يائس من أجل البقاء.
انقطاع الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب أوجد بيئة مثالية لانتشار الأوبئة، وأحال المستشفيات القليلة المتبقية إلى أماكن للعجز أمام الأعداد المتزايدة من الجرحى والمرضى.
المدنيون هناك يقفون في طوابير طويلة على أمل الحصول على قليل من الغذاء أو جرعة دواء، بينما أصوات القصف والرصاص لا تنقطع.
المأساة لا تتوقف عند حدود الجغرافيا آلاف النازحين يفرون إلى مناطق أخرى داخل السودان أو يعبرون الحدود بحثاً عن الأمان، ليجدوا أنفسهم في مخيمات مكتظة تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
قصص الفارين تحكي عن رحلات محفوفة بالموت، حيث يتعرض البعض للاعتداء أو السرقة أو الفقدان في الطريق. ومع كل قصة، يزداد حجم الفاجعة، وتتضح الصورة القاسية لما يعيشه هذا الإقليم المنكوب.
المجتمع الدولي، بمؤسساته وحكوماته، يدرك تماماً حجم الكارثة.
تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية العالمية وضعت الحقائق أمام العالم، ورغم ذلك لم تُتخذ إجراءات عاجلة وفاعلة لوقف الانتهاكات.
البيانات المكررة والنداءات المتأخرة لا تكفي لإنقاذ الأرواح، والصمت أصبح غطاءً لاستمرار الجرائم.
دارفور تحتاج الآن إلى خطوات عملية واضحة: إنشاء مناطق آمنة تحمي المدنيين، فتح ممرات إنسانية دائمة لوصول الإمدادات، نشر مراقبين دوليين على الأرض، وضمان إحالة المتورطين في الجرائم إلى العدالة الدولية.
هذه ليست خيارات رفاهية، وإنما متطلبات أساسية لوقف نزيف الدم المستمر.
التاريخ علمنا أن المآسي التي لا تجد من يوقفها تتكرر، وأن من يكتفي بالمشاهدة يصبح شريكاً في الجريمة بصمته دارفور اليوم اختبار حقيقي لضمير العالم، واختبار لقدرة البشر على حماية بعضهم البعض في أوقات المحن.
كل يوم يمر بلا فعل، يعني مزيداً من القبور الجماعية، ومزيداً من الأطفال الذين يكبرون وهم يعرفون الحرب أكثر مما يعرفون السلام.
لا بد أن يبقى صوتنا عالياً فالصمت خيانة، والكلمة واجب، والتحرك ضرورة.
السودان الأرض التي أنجبت الحياة لن ترضى أن تُترك للموت ينهشها، والشعب الذي قاوم عبر التاريخ يستحق أن يرى فجر العدالة قبل أن تطفئه نار الحرب.