قام النائب الأميركي إبراهيم حمادة بزيارة إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى بالرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، إلى جانب وزير المالية محمد يسر برنية. تأتي هذه الزيارة في سياق توتر سياسي إقليمي ودولي، وسط نقاشات تتناول ملفات حساسة تتعلق بإعادة العلاقات بين واشنطن ودمشق، وكذلك ملف المساعدات الإنسانية والملف الأمني في سوريا.
حمادة، الذي وصل إلى دمشق قادماً من القدس، وصف زيارته التي استمرت ست ساعات بأنها "خطوة تاريخية"، معتبراً أن التنقل المباشر بين القدس ودمشق منذ عقود يُعد بمثابة مؤشر على تغيرات قد تطرأ على المشهد السياسي في المنطقة. خلال اللقاءات، تم بحث ملفات عدة، بينها إعادة جثمان الناشطة الإنسانية كايلا مولر التي اختطفها تنظيم "داعش" عام 2013، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء ممرات إنسانية آمنة لإيصال المساعدات الطبية إلى مناطق مثل السويداء.
الأمر اللافت في هذه الزيارة هو التأكيد على ضرورة تطبيع سوريا مع إسرائيل والانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام"، وهي خطوة تُعدّ مثار جدل كبير في الأوساط العربية والسورية، خصوصاً في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المستمرة للسيادة السورية. فهل تتحول سوريا إلى ورقة مساومة في لعبة دولية تفرض فيها واشنطن والإسرائيليون أجنداتهم على بلد مزقته الحروب؟
حمادة لم يخفِ دعمه لتخفيف العقوبات الأميركية على سوريا، معتبراً أن ذلك سيساعد الحكومة والشعب السوري على إعادة الإعمار، شرط أن تلتزم دمشق بالتعهدات المعلنة تجاه واشنطن. هذه الرسائل تأتي في ظل تحركات إسرائيلية مكثفة لعرقلة أي محاولات دولية لإعادة العلاقات مع دمشق، خاصة بعد تصاعد اعتداءات الاحتلال على الأراضي السورية.
من جهته، وزير المالية السوري محمد يسر برنية أكد خلال لقائه حمادة أهمية التعاون الاقتصادي والمالي بين البلدين، معبراً عن تفاؤله بمستقبل العلاقات الثنائية. هذا التفاؤل يأتي في سياق محاولات دمشق لكسر الحصار الدولي وإعادة بناء علاقات مع الولايات المتحدة رغم سنوات من العداء والحصار.
زيارة حمادة لم تكن مجرد لقاءات دبلوماسية باردة، بل حملت رسائل واضحة عن رغبة أميركية في فتح قنوات تواصل مع الحكومة السورية، تركز على متابعة أجندات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلقة بسوريا، وكذلك العمل على الحد من الاعتداءات الإسرائيلية ومحاولات زعزعة الاستقرار في المنطقة.
ومع ذلك، تبقى الزيارة محل انتقاد شديد، إذ يرى مراقبون أن مثل هذه الخطوات قد تشكل ابتزازاً لسوريا تحت ذريعة السلام وإعادة الإعمار، خصوصاً مع إصرار واشنطن على فرض شروط سياسية غير واقعية. كما أن الدعوة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل تصطدم برفض شعبي ورسمي سوري، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لجزء من الجولان السوري ومواصلة سياسة العدوان.
في النهاية، تثير هذه الزيارة تساؤلات مهمة حول مستقبل سوريا السياسي وعلاقاتها الدولية، وهل ستتمكن دمشق من الحفاظ على سيادتها ومصالح شعبها وسط ضغوط واشنطن وإسرائيل، أم أن البلد سيجد نفسه محاصراً بين مصالح خارجية تحاول فرض واقع جديد لا يخدم سوى أجندات أجنبية على حساب السوريين.