في خطوة تعتبر الأجرأ منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، أقدم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على إجراءات حاسمة ضد فصيل «كتائب حزب الله»، أحد أبرز الفصائل المسلحة داخل «الحشد الشعبي». جاء ذلك في وقت لم يعلن فيه «الإطار التنسيقي الشيعي»، الذي ينتمي إليه السوداني، موقفًا واضحًا من تلك الإجراءات، مما يعكس حالة من الانقسام والارتباك داخل الصفوف الشيعية الحاكمة.
القرار الذي اتخذه السوداني لم يكن متوقعًا لدى كثير من القوى السياسية، خاصة أن الملف الأمني في العراق مرتبط بتوازنات داخلية معقدة، فضلاً عن المخاوف الإقليمية والدولية، لا سيما من ردود فعل أميركية وإسرائيلية تجاه مشروع قانون «الحشد الشعبي» المقدم للبرلمان العراقي. وقد أعاد السوداني خلال مهرجان جماهيري في محافظة بابل التأكيد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، مستشهداً بمواقف المرجعية الدينية العليا التي دعت إلى ذلك.
وتُعد محافظة بابل، التي تضم منطقة «جرف الصخر» ذات الغالبية السنية والتي تعتبر معقلًا لـ«كتائب حزب الله»، اختيارًا إستراتيجيًا لبدء تنفيذ الإجراءات، ما يضيف زخماً أكبر لموقف الحكومة. وتشير مصادر سياسية في بغداد إلى أن الصمت النسبي لقوى «الإطار التنسيقي» يعكس عمق الأزمة بين أطرافها، إذ تواجه ضغوطًا متزايدة للتعامل مع ملف السلاح خارج نطاق الدولة بحذر شديد.
ردود الفعل من الفصائل المسلحة جاءت متباينة، حيث أعلن «لواء أنصار المرجعية» دعمه الكامل لإجراءات السوداني، مؤكداً استعداده للتعاون مع اللجان الحكومية في تقييم القطعات ومتابعة التزامها. بينما أعربت فصائل أخرى مثل «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» عن قلقها، واتهمت أطرافاً محلية بالخضوع لضغوط خارجية تهدف إلى تشويه تاريخها ومواقفها، وأكدت رفضها لما وصفته بـ«المخططات الأجنبية» التي تستهدف تقويض وجودها.
ويُذكر أن «كتائب حزب الله» لم تذكر السوداني بالاسم في بياناتها، لكنها ردت بشكل غير مباشر على اتهاماته، وجددت مطالبتها بانسحاب القوات الأميركية، مشيرة إلى تضحياتها في مواجهة تنظيم داعش، التي بلغت آلاف القتلى والجرحى.
يرى مراقبون أن إجراءات السوداني تمثل تحولًا جذريًا في قدرة الحكومة على فرض سيطرتها على السلاح والحد من نفوذ الميليشيات، وهو ما سيؤدي إلى إعادة ترتيب المشهد الأمني والسياسي في العراق. لكنهم حذروا من احتمال تصعيد الأوضاع إذا لجأت الفصائل المسلحة إلى مناورات تهدف إلى تقويض خطوات الحكومة، مما يجعل الأيام المقبلة محفوفة بالمفاجآت.
خلاصة المشهد تكشف أن المعركة التي يخوضها السوداني ليست مجرد مواجهة مع فصيل واحد، بل صراع على إعادة بناء الدولة وسيادتها، وسط توازنات إقليمية ودولية معقدة تجعل من ملف السلاح أحد أهم تحديات العراق الراهنة.