تشهد العلاقة بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) توتراً متزايداً، مع انتقال الصراع من الساحة السياسية إلى الاشتباكات الميدانية، في ظل خلافات عميقة حول مستقبل إدارة شمال شرقي سوريا.
في الأيام الأخيرة، تصاعدت حدة التوترات بعد انعقاد مؤتمر تحت عنوان "وحدة الموقف لمكونات شمال شرقي سوريا"، دعا خلاله المشاركون إلى دستور ديمقراطي لسوريا وإدارة لامركزية في مناطق شمال شرق البلاد. هذا المؤتمر دفع الحكومة السورية إلى تعليق مفاوضاتها مع "قسد" في باريس، متهمة إياها بخرق اتفاق تم توقيعه في آذار الماضي، ووصفت المؤتمر بأنه محاولة لإحياء سياسات تقسيمية وتغيير ديمغرافي.
على الأرض، شهدت المنطقة توغلاً مسلحاً عبر نهر الفرات من جهة قوات الحكومة، ما أدى إلى اشتباكات مع "قسد" في ريف دير الزور، حيث استهدفت قذيفة نقطة عسكرية تابعة لـ"قسد"، وردت الأخيرة بإجراء عمليات تمشيط مكثفة في المنطقة. كما اتهمت "قسد" القوات الحكومية باستهداف مدنيين في قرية قريبة، وهو ما نفاه مصدر محلي، مشيراً إلى أن إطلاق النار وقع خلال محاولة مدنيين عبور النهر في وقت إغلاق المعبر الرسمي.
هذه الأحداث الميدانية تصاحبها اتهامات متبادلة باستمرار خروقات اتفاق وقف إطلاق النار في مناطق عدة منها دير الزور ودير حافر وسد تشرين. وطالبت "قسد" الحكومة والفصائل المدعومة من تركيا بوقف كل الخروقات فوراً.
من الجانب التركي، تعبر أنقرة عن دعمها لدمشق في مواجهة "قسد"، متهمة الأخيرة بعدم الالتزام بالاتفاقيات الموقعة، ومشيرة إلى استعدادها للتدخل لمنع أي تقسيم محتمل لسوريا. هذه المواقف تضع "قسد" في مواجهة ليس فقط مع دمشق، بل ومع تحالفات إقليمية تلعب دوراً في النزاع السوري.
في وقت سابق، أجريت زيارة رسمية لوزير الخارجية السوري إلى موسكو، التقى خلالها كبار المسؤولين الروس، وأعلن الطرفان إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية السابقة. روسيا، الحليف الأبرز للحكومة السورية، أكدت معارضتها لأي محاولات لزعزعة استقرار البلاد، في موقف يعزز من ثقة دمشق في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية.
رغم التصريحات التي تصدر بين الحين والآخر عن رغبة "قسد" في تنفيذ بنود الاتفاقيات واندماجها ضمن مؤسسات الدولة السورية، إلا أن التطبيق الفعلي لا يزال بعيد المنال. "قسد" تصر على الانضمام ككتلة واحدة، مع الحفاظ على مناطق نفوذها وسياساتها الخاصة، فيما ترى الحكومة في ذلك تحدياً للسيادة الوطنية ومحاولة لإقامة كيان موازٍ داخل الدولة.
هذه الخلافات تعكس تعقيدات المشهد السوري، حيث تتحكم قوى محلية وإقليمية ودولية في مفاصل الصراع، وتترك المنطقة في حالة من عدم الاستقرار المستمر، يؤثر سلباً على حياة المدنيين وأمنهم.
تسيطر "قسد" على نحو ربع مساحة سوريا، وتدعمها الولايات المتحدة والتحالف الدولي، بينما تهيمن حكومة دمشق على أغلب الأراضي، باستثناء مناطق شرق الفرات وبعض المناطق في الجنوب. هذا الانقسام الجغرافي والسياسي يعكس عمق الأزمة بين الطرفين، التي باتت اليوم أكثر تعقيداً وصعوبة في الحل.
في النهاية، يبدو أن ملف العلاقة بين دمشق و"قسد" سيظل يشهد صراعات متجددة، مع احتمالات محدودة للتقارب في ظل استمرار الخلافات حول شكل الدولة ومستقبل المناطق التي تسيطر عليها "قسد". التوازنات الإقليمية والدولية تلعب دوراً محورياً في هذا الصراع، ما يجعل المسألة أكثر تعقيداً، ويحول دون تحقيق استقرار سياسي وأمني يطمح إليه السوريون.